خَلعناكُم.. فاخرُجوا مِنّا
 

عدنان كنفاني

وماذا بعد.؟

وهل بقي في جراب السحرة من وسائل وألاعيب لإسقاط إرادة الشعب الفلسطيني في اختياره نهج المقاومة للتصدي والخلاص من إفك الصهاينة ومن يدور في فلكهم.؟

مارستم يا من تدّعون تمثيلكم لشعب فلسطين في السلطة وفي دهاليز منظمة التحرير وفي قيادة فتح كل الموبقات، ووقفتم سدّاً في وجه أي فعل للحكومة منذ لحظة اختيارها ممثلة لأمنيات الشعب الفلسطيني وطموحاته.

وعلى مسيرة وقت طويل وحكومات متعاقبة لم تقدموا أيها السلطويون لهذا الشعب أي شيء غير الهوان الذل والانكسار، ثم في لحظة الحقيقة وبشائر التغيير أخرجتم من بطونكم الحرّى ضغائن متراكمة وضعتكم على الجانب المواجه لإرادة الشعب، وأعملتم عصيّكم العفنة لإيقاف عجلة عمل الحكومة على كافة الصعد، واستنجدتم بالأعداء ليصعّدوا كل أشكال الحصارات، وقدّمتم على أطباق من ذهب رؤوس المناضلين هدايا إلى جلاديهم، وخنتم دماء الشهداء على مدى زمن الصراع وفيها بعض دماء أهلوكم، وتنكّرتم لآلام الأسرى ووجع الجرحى ودموع الأرامل والثكالى وقهر الأيتام.

خنتم حتى أقرب الأقرباء من قادة جناح فتح العسكري، وساهمتم بالتدليل عليهم والمشاركة بتصفيتهم واحدا بعد الآخر لتخلو لكم تصاريف الساحة، واهمين بأنها الطريقة لتمرير ما جبلتكم خياناتكم عليه، ولبقائكم على كراسي الفساد تقيمون موائدكم المترفة بالفسق والفجور على أنين الشعب المناضل، وأوصلتم أشرف الناس إلى حدّ الجوع، وأعملتم كل المحظورات ما خفي منها وما أعلن لقتل إرادة الشعب، وتركيعه..

فماذا بعد.؟

القيادة التي لا تمثل إرادة شعبها، ولا تعمل على تحقيق طموحاته وأمنياته، حريّ بها كي تُبقي على القليل من ماء وجهها أن تتنحى، قبل أن يكتسحها طوفان الشعب يوماً سيأتي لا مفر، فمصير الشعوب قرار يبقى في أيادي الشعوب.

ولنا في التاريخ القريب عبرة.

عندما احتل هتلر فرنسا، واكتسحت القوات النازيّة خط ماجينو بزمن قياسي، وسقطت فرنسا كلها وسط معاناة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً وصلت بالشعب الفرنسي إلى حد الجوع ، لم يذعن أحد من قادة فرنسا للهزيمة، وكانت المقاومة المشهورة التي ساهمت في تحقيق نصر فرنسا.

وعندما وصل الحال بإنكلترا لإرسال عدد من الأطفال الإنكليز صبيان وفتيات إلى أقاصي المعمورة أمكنة بعيدة آمنة خارج بريطانيا لحفظ نوع الجنس الإنكليزي أمام ما يشبه إبادة كاملة لشعب أبى أن يعلن هزيمته أمام جحافل الجيوش النازية، وقف السير ونستون تشرشل رئيس الوزراء وقتها على منصة مجلس العموم البريطاني ليقول:

(سيأتون إلينا من الجو ومن البحر وسنقاتلهم، سينزلون على شواطئنا وسنقاتلهم، سيدخلون مدننا وقرانا وسنقاتلهم في كل مدينة وفي كل قرية، سيدخلون إلى لندن وسنقاتلهم في كل حي وفي كل ميدان، سيدخلون إلى هذا المكان وسأقاتلهم بهذه "ورفع مطرقة المنصّة".)

لقد عانت شعوب أوروبا وعانى العالم من حرب ظالمة جائرة، ودفعت الشعوب ثمن حريتها الملايين من أرواح أبنائها، فانتصروا على قوّة البغي وانتصرت بريطانيا.

وليست أحداث فيتنام أو كوبا أو فنزويلا أو كوريا أو إيران أو العراق أو لبنان ببعيدة.!

لقد قدّم الشعب الفلسطيني تضحيات ليس لها مثيل عبر زمن يكاد يكون تاريخه الحديث، فهل من العدل أن يأتي من يسرق تضحيات الشعب ويسقطه في دائرة الاستلاب لتحقيق مكاسب لأفراد لم يعد لهم أي حق بتمثيل إرادة العشب الفلسطيني.؟

إنهم المتنصّبون على كراسي السلطة الآن شركاء في جريمة قتل الراحل ياسر عرفات، وهم أنفسهم الذين تقاسموا إرثه، وتسيدوا قرار الشعب الفلسطيني، وعقدوا الاتفاقيات والمعاهدات المهينة، وهم الذين يعبثون الآن بمصير هذا الشعب..

فماذا بعد.؟

هم رهط الفاسدين، من ربط حركة الشعب الفلسطيني اليومية بالكيان الصهيوني، وهم من وافق على أن تكون مفاتيح الماء والكهرباء والمجارير وبوابات الحدود بيد الصهاينة، وهم من أدخل الشيكل عملة للتداول في الوسط العربي الفلسطيني، وهم من يضع أرصدة الشعب الفلسطيني من الأموال في البنوك الإسرائيلية، وهم من وافق على تحديد نوع وعدد السلاح الفردي بين أيادي عناصر الأمن الفلسطيني، وهم من يخزّن السلاح الآن تحسّباً ليوم سيكون السلاح هو الحسم..

فماذا بعد.؟

من يصف العمل المقاوم لتحرير الأرض ورفع القتل عن أبناء الشعب بالعمل الحقير لا يستحق أن يكون منا.!

ومن يعانق القاتل الذي يوغل في دمنا يومياً، ويحرمنا من حق الحياة ويتبادل معه الأنخاب عار علينا أن نقبله بيننا أو ممثلاً لنا.!

ومن يستقبل سيدة العهر الأمريكي بالأحضان، ويقبل أن ترسم له حتى كلماته التي يقول، وأفعاله التي يُمارس، ومواقفه التي يُعلن، كلها لضرب إرادة النضال في ضمير هذا الشعب بوسائل لا إنسانية أقلّها تجويعه ليعلن الشعب هزيمته واستسلامه لا يستحق أن ينتمي إلى هذا الشعب.

لقد انقضى زمن السكوت وزمن الانتظار، ولم يعد من مكان لقبول هذا العهر العلني، فقد أعلن الشعب مواقفه وتصميمه وإرادته.

وسيبقى شرفاء شعب فلسطين على العهد أمام دماء الشهداء والجرحى والأسرى والمظلومين والمعذبين والمقهورين.

هذا الشعب الأبيّ الصابر المحتسب سيبقى على الحب لفلسطين، وعلى الطريق لتحرير فلسطين، أم ترى الراكبين ذيول الخيبات نسوا أو تناسوا فلسطين.؟

هي كلمة اسمعوها:

خلعناكم.. فاخرجوا منا.!

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع