انتفاضة الجياع ... كلمة حق يراد بها باطل

 بقلم :* سعيد دويكات

انتفاضة الجياع قادمة لا محالة ..مقولة بدأت بعض الألسن تداولها في بعض المجالس والمنتديات وأحيانا على بعض وسائل الإعلام ، وكل من استمع إلى هذه المقولة للوهلة الأولى ظن أن الشعب الفلسطيني قد بدأ التلويح بخيار انتفاضة ثالثة ، وهذه المرة ستكون بعنوان – عليَّ وعلى أعدائي – لأن الفلسطينيين لن يرضوا أن يموت أطفالهم جوعا أمام أعينهم وهم لا يحركون ساكنا ، إذن هي رسالة شديدة اللهجة للعالم المشارك في الحصار بشكل عام وللاحتلال بشكل خاص .

ولكن تتكشف الأمور عن غير ذلك ، فالرسالة لا تمس الاحتلال من قريب أو بعيد ، ولا تذكر الأمريكان والأوروبيين ولو على استحياء ، بل إن هذه التصريحات النارية المصحوبة باحمرار الخدود وانتفاخ الأوداج موجهة فقط لا غير للحكومة الفلسطينية !! لان هذه الحكومة مقصرة في واجباتها ، ولا تتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها !! ولذلك فإن الخطوات النضالية سوف تستمر إلى أن تستجيب الحكومة وتدفع الرواتب للموظفين !!

من يسمع هذا الكلام سيصل إلى نتيجة مفادها : إما أنه – السامع – من عالم آخر ولا بفهم شيئا مما يجري لان معلوماته تفيد أن الحكومة محاصرة فكيف تصبح هي المستهدفة ؟!

أو أن القائل لهذه التصريحات هو الذي يعيش في كوكب آخر واختلطت عليه الأمور فلم يعد يفرق بين المحاصِر والمحاصَر !!

أو أنه يعرف كل شيء ويدرك معنى كل كلمة يقولها ، ولكن له حسابات أخرى تختلف عن حسابات  (الجائعين  )لأنه ليس منهم !!

إن من نافلة القول وبدهيات الحياة أن يعمل الإنسان لينال أجر عمله ولينفق على نفسه وعياله من هذا الأجر ، ومن هنا فإن هذا الأجر أو الراتب هو حق مقدس لا جدال فيه ، وكل من يتنكر له أو ينتقص منه ظالما معتديا فيجب مقاومته وانتزاع هذا الحق منه .

أما ما يجري على أرضنا فليس بعيدا عن ذلك إذ يحتجز الاحتلال أكثر من 400 مليون دولار للسلطة الفلسطينية ، وتوقف أمريكا وأوروبا الأموال عن الشعب الفلسطيني ، ولم تكتف بذلك بل أوعزت للبنوك بوقف التعامل مع الحكومة وعدم تحويل الأموال إليها !!

أمام هذا الواقع المرير ما الذي تفعله الحكومة وكيف تتدبر أمرها ، هل حوقلت واسترجعت ووضعت يدا على خد وقالت لا حيلة لنا ، وليس لنا من الأمر شيء !! أم أن وزراءها طافوا البلاد العربية والإسلامية والآسيوية والإفريقية وبعض الأوروبية ، وكان أحيانا يصل عدد الوزراء أكثر من عشرة خارج الوطن ، رغم المنع على من هم داخل الضفة الغربية من السفر !!

وجمعوا مبالغ طيبة من المال بعيدا عن أوروبا وأمريكا ، ولكنهم اصطدموا بعقبة التحويل ، فأصبحوا يحملون الأموال بأيديهم عبر المعابر ليوصلوها لأبناء شعبهم ، واتهمهم الأمريكان والأوروبيون وأصحاب مصطلح ( انتفاضة الجياع بتهريب الأموال !! البعض طالب بالتحقيق والبعض الآخر طالب بالتحويل إلى النيابة !! وطرف ثالث قال : لا تعيدوها  ولا تدخلوا الأموال للجياع حتى لا يغلق المعبر رغم انه لا نص قانوني يمنع ذلك !أما تهريب الأموال إلى خارج الوطن فلا بأس به ولا غبار عليه ، ولا أحد يذكره وأهله بسوء!!

 ومع كل ذلك ترى وزيرا يحمل 20 مليون دولار ووزيرا آخر يحمل مليونين وثالث يحمل  مليونا  ، وهكذا بما تيسر من وسائل إطعام الشعب وكسر الحصار .

ورغم كل الظروف العصيبة سددت الحكومة ( الكانتين ) للأسرى وباشرت دفع المرتبات لعائلاتهم ودفعت راتب شهر لأكثر من أربعين ألف موظف ، وسلفة بقيمة 300 دولار لأكثر من تسعين ألف آخرين  ، وتستعد لتقديم دفعات للمتبقين ، ورواتب منتظمة لأسر الشهداء – ما أمكنها – حسب وزير المالية .

لا احد يقول عن الحكومة اجترحت المعجزات ، ولكن بشيء من الإنصاف يقال : إنها تبذل كل ما في وسعها.

هذا الخنق الخارجي كله يترافق مع تهديدات إسرائيلية باغتيال رئيس الحكومة وعدد من وزرائه  مع تصعيد في أعمال الاغتيال والقتل التي طالت أطفالا وعائلات بأكملها ، وليت الأمر وقف مع هذه الحكومة  عند هذا الحد فهناك  أعمال فلتان مبرمجة وحرق لمقراتها ، واعتداءات على رموزها ونوابها ، بل وصل الأمر حد التحرش برئيس الوزراء نفسه ، واعتراض موكبه والاعتداء على بعض مستشاريه ، وتجاهل قرارات وزرائه من قبل مرؤوسيهم !!

ومن ثم المسيرات المتلاحقة الضعيفة والاحتجاجات الموجهة والمصحوبة بالشتائم  لرئيس الوزراء ولوزراء في حكومته ، والإضرابات الإجبارية وتهديد الموظفين المداومين باقتحام المكاتب وإخراجهم  بالقوة.

وأعجب العجب أن يدعى لإضراب شامل للمطالبة بالرواتب بعد يوم واحد من قبض سلفة على حساب الراتب !!

لقد شاهد الناس أو سمعوا بعضا من القائمين على ( انتفاضة الجياع ) ، بعضهم لا يكفي سيارته راتب موظف من (الجياع ) أو أكثر ( بدل بنزين ) والبعض الآخر بحاجة إلى راتب اثنين من الموظفين ( الجائعين ) لسداد فاتورة جواله ، ناهيك عن النفقات الأخرى ، وبطبيعة الحال ( لا فاتورة البنزين ولا الجوال ولا غيرهما على حسابهم ) ، باعتبارهم من كبار
 الجائعين !! وكأن الحكومة أصبحت بين فكي كماشة ، خنق من الخارج وضغط من الداخل!!

لكن من الإنصاف القول أن الموظفين في ضيق وكرب شديدين ، وأن سلفة هنا أو دفعة هناك هي من باب سد الرمق  لا أكثر ، ولا تشكل حلا للمعضلة ، وان من حق الموظف أن يطالب بحقه وحق أولاده ، ولكن على ألا يتحول هو وأولاده  وراتبه إلى مادة للمناكفة والمزايدة الإعلامية .

كان من الأولى بمن يضعون العراقيل أمام الحكومة أن يساهموا في إزالة الحجارة من طريقها، وأن يقولوا للناس ها هي الأمور بدأت تنفرج ولو قليلا عن ذي قبل ، فلنتماسك جميعا ولنعمل على فتح الأبواب المغلقة بدلا من إغلاق الأبواب المفتوحة – على قلتها - ، وأن نكون طوق نجاة لها من الغرق لا أن نعمل على إغراقها .

بقي أن نقول : إن من حق الموظف أن يطالب بحقه ولكن أن يعرف ممن يطالب ، والعجيب الذي يثير الاعتزاز والإعجاب أن موظفينا رغم قسوة ظروفهم  وصعوبة معيشتهم صابرون محتسبون بل ويعذرون ،  ولعل هذا سبب إضافي في إغضاب البعض ودفعه إلى ( (تثوير) الموظفين رغما عنهم ، بل واقتحام التشريعي باسم ( الموظفين المدنيين ) ، وإن تسال عن سبب الإضراب  أو الاقتحام ستسمع مائة إجابة ، ومعلوم أن تعدد الإجابات وتناقضها ، بل تعدد المسميات التي تقف خلف الإضرابات والتي لم يسمع أحد بها من قبل ولا حتى الموظفين أنفسهم ، لا يعرفون من يتكلم باسمهم ، ومن الذي انتخبه أو عينه ، ومتى وجد لهم هذا الجسم الذي يحمل مع كل بيان اسما جديدا ،  من هي هيئته الإدارية والعامة ومتى أنشئت وكيف أسست باسمهم وهم لا يعلمون ؟! كل هذا وغيره يدل على أن وراء الأكمة ما وراءها  وأن في الأمر سوء نية مبيتة  الموظفون منها براء .

وذلك أن الجهة أو الجهات التي تحاصر الشعب معلومة وتكشف نفسها للعيان دون أدنى خجل أو مواراة ، فمن الطبيعي إذن  أن يوجه الغضب والمطالبة نحوها  وليس هناك أي مجال للخطافي الوجهة إن صدقت النوايا،  أما إن توجه الطلب والضغط لغيرها ففي الأمر أهداف وغايات ما يراد تحقيقها لبعض المتكسبين من خلال المتاجرة بجوع العاملين والموظفين، بينما هم – الموظفون والعاملون – لا ناقة لهم في الأمر ولا بعير وإنما اتخذوا مجرد ستار .

كان من الأولى بمن يدعو إلى إضرابات ضد الحكومة أن يدعو إلى الإضراب استنكارا لذبح الأطفال  وعائلاتهم في غزة، لا أن تنسى مجازر الاحتلال وتوجه السهام نحو من يرفض الاعتراف بشرعية الاحتلال.

 

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع