هدى غالية تسأل .. فمن يجيب؟!
 

    سعيد دويكات/ نابلس- فلسطين

صيف حار تشهده الساحة الفلسطينية على المستوى السياسي حيث بدأت أجواؤه الساخنة تلفح الوجوه كل يوم ، من خلال الأوضاع  الملتهبة والتي تزداد ألسنتها استعارا يوما بعد يوم ليس بفعل حر الصيف وإنما بفعل فاعل !!

 وسط هذا الحر السياسي اللافح وجدت (هدى غالية) نفسها تتقاذفها أمواج  بحر ساخن  من دماء أبيها وأمها وإخوتها ، وتخنقها أمواج أخرى من دموع أصبحت العنوان الدائم لحياتها .

وُعدت هدى بالثأر لعائلتها من قتلتهم ، وانتظرت تنفيذ الوعد ، وبعد يومين شاهدت في ساعات المساء ألسنة النيران تتصاعد من إحدى البنايات ، ومسلحون يحاصرون بناية أخرى ، همت أن تقفز من مكانها ، فقد بدأت عمليات الثأر للعائلة المنكوبة ، خاصة مع امتداد عمليات الحرق والاقتحام والتدمير وإطلاق النار والخطف ، أخبار مفرحة !!! ولكن الصغيرة (هدى) لا تفهم لماذا لا يفرح  الناس من حولها ؟؟  وما أثار استغرابها أكثر ذاك  الوجوم الذي علا الوجوه المشدودة نحو شاشة التلفاز مصحوبة بعبارة ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) مع زفرات تلفح الوجوه بحرارتها ، وأياد  تضرب كفا بكف ، وأخرى تمسح خصلات شعرها المتناثرة يهمس أصحابها : مصيبتك يا  ( هدى ) كبيرة ، لكن والله مصيبتنا اكبر !! هنا  انتفضت ( هدى ) لأن الأمر لم يعد يحتمل السكوت ،  لماذا  تتنهدون وتتحسرون ؟!ولماذا لا تقفزون فرحا ومؤسسات ( الاحتلال) تشتعل نارا ، والشباب يقتحمون بناياته واحدة تلو الأخرى ، ولا يبقون فيها شيئا صالحا للحياة ؟! أحرق البرلمان فلا( كنيست ) بعد اليوم ، ودمر مقر رئاسة الوزراء فلن يجد( أولمرت ) مكانا يجلس فيه سوى الشارع !! وأصبحت  تل أبيب مستباحة يفعل بها الشباب ما يشاؤون !! أي يوم أعز من خطف نوابهم  ، وإرهاب سكانهم ، وتدمير ممتلكاتهم ومصانعهم وبلدياتهم ؟! أجيبوني ! لم َ لا تفرحون ؟! أم تراكم تستكثرون عليَّ فرحة لحظات  شعرت فيها أن دماء أهلي لم تذهب هدرا !! وما معنى هذه العبارات التي تتمتمون  بها ؟؟ مع كل خبر عاجل أو نشرة أخبار ؟!

 

لم يجد الحاضرون بداً من الإجابة ، قال أحدهم والعبرات تسبق الكلمات ، ما رأيته يا ابنتي على الشاشة من حرق وتدمير لم يكن ثأرا لمصيبتك  بل تعميقا لها ، والحرق والتدمير لم يكن للكنيست ولا لمجلس أولمرت ، بل إن ما شاهدته لم يكن أصلاً في تل أبيب والقدس  أو معاليه ادوميم ، ردت الطفلة مشدوهةً ، إذن أين كان ؟!

أجابها آخر بصوت يقطر خجلاً !! إنها رام الله ونابلس وبيت لحم وطولكرم وسلفيت ، والنار المشتعلة كانت في المجلس التشريعي الفلسطيني ومجلس رئاسة الوزراء الفلسطيني !!

قالت وهي غير مصدقة ما تسمع : لا تقولوا لي إن المخطوف ليس اسرائيلياً ؟! أجاب ثالث : كان هناك مخطوف إسرائيلي  أطلق  سراحه ، وأما المخطوف الآن فهو نائب في التشريعي !!

صرخت هدى صرخةً مدويةً كتلك التي أطلقتها يوم استشهاد عائلتها !! لمَ كل هذا ؟ وما هي أسبابه ؟! لقد شاهدت القذائف وهي تنطلق من الزوارق الاسرائيلية لتحصد عائلتي ، ولم أشاهدها تنطلق من التشريعي أو رئاسة الوزراء في رام الله ، ولم أسمع أن طائرات  مصنع  ألبان الزكاة وبلدية نابلس ومكتب التشريعي فيها هي التي تشن الغارات وتقتل وتغتال  في غزة ؟!! قبل أيام قليلة وقعت مجزرة في قلب مدينة رام الله فأين كان هذا السلاح ؟!  ولماذا لم تطلق منه رصاصة واحدة ؟!  بينما ترك  رماة الحجارة يواجهون قدرهم أمام رصاص الاحتلال .

 وتوالى شلال الأسئلة الغاضب يتدفق من فم ( هدى ) دون أن يستطيع أحد إيقافه ، أسمع عن اجتياحات يومية وليلية لكل شبر في الضفة الغربية وحواجز واعتقالات بالجملة فيها ، فأين هذا السلاح أمام هؤلاء المقتحمين والمتوغلين !! ولماذا يشهر فقط في وجه أبناء الوطن؟!

ومن المستفيد من حرق المؤسسات الوطنية وتدميرها ؟ ولماذا يحرق مصنع ألبان يعتاش منه فقراء الشعب الفلسطيني في نابلس ، ولماذا تحرق بلديتها ، ولماذا يهدد وزير السياحة بقتل ابنه الوحيد إذا لم يقدم استقالته ؟! وتواترت الأسئلة  

المفجوعة ( بالمصيبتين)  وكأن ( هدى )  أصبحت تنطق بلسان الناس جميعا وتنقل ما يدور في خواطرهم ، من يقف وراء هذه الأحداث ، وهل جميعها وقعت صدفة أم غضبة ؟! ومن الأولى بالغضب المجلس التشريعي ورئاسة الوزراء أم الذين تركوني أهيم على وجهي بلا عائلة ؟! وتركوا آلاف الأطفال مثلي بلا أم  أو أب  أو أخ أو صديق ، من الأولى بالغضب بلدية نابلس ومصنع الزكاة أم الذين خطفوا الأسرى في أريحا ووجهوا أقسى الطعنات لكرامتنا على الهواء مباشرة  وعبر مختلف الفضائيات ، لقد بدأت أتذكر أنه مع كل إعلان عن بوادر اتفاق في الحوار الجاري  ، لا يطلع نهار اليوم التالي إلا وهناك عملية قتل أو حرق أو إطلاق نار ، كنت أظن  الأمر عاديا ، وكان تفكيري أبسط من  أن يبحث في هذه المواضيع ، ولكن المصيبة هزتني وجعلتني أسبق سني في قراءة الأحداث .حتى,وحتى في ظل أجواء الحوار الايجابية التي استبشر بها الجميع ، والأمل الذي بدأ ينبعث مؤذنا بطلوع فجر جديد ، لا زال هناك من يعبث ويخطف ويطلق النار

لقد فهمت الآن ما يجري وعرفت  منكم أن شعبنا بكافة قطاعاته وفصائله حريصون على الوحدة وعلى الدم الفلسطيني ، ولكن هناك قلة قليلة وشخصيات (متنفذة) تبحث عن مكاسب أو تخشى من فقدان بعض المكاسب ، تريد أن تجر الشعب إلى الهلاك ،  فهمت الآن  معنى زفراتكم وتنهيداتكم  ، وفهمت مقولتكم (مصيبتنا أكبر من مصيبتك )

 نعم مصيبتنا في هؤلاء وأمثالهم ،الذين يعبثون بأمننا ويتاجرون بأرواحنا، ويسلبون أموالنا.

والأمرمنوط بنا، إن منعناهم من تحقيق مرادهم  ترتاح عائلتي وأمثالها من الشهداء في قبورهم ، ونصل إلى  شاطئ الأمان -الذي لم أجد الأمان عليه- ، وإن تركناهم تكون مصيبتنا مصيبتين ويكون الشهداء- فعلا - قد قتلوا مرتين .

 

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع