فصل جهادي جديد ولا يفل الحديد إلا الحديد
عادل علي جوده/ عضو تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين
نعم، بسم الله وعلى بركة الله انطلق الشباب نحو فصل جهادي جديد من فصول رواية التحرير؛ ليس لديهم طائرات أو مدافع أو دبابات، لا السماء ملكهم ولا البحر ولا البر، بل كل ذلك ملك آلة الحرب الصهيونية بطائرات وبوارجها ودباباتها وجنودها المتخندقين وراء الجدر، الحدود موصدة بالأسلاك الكهربائية، وخلف الأسلاك مساحات فاصلة تعج بالألغام الأرضية، وخلف الألغام أبراج مزودة بعدسات مراقبة كالمجهر تلتقط حتى ذرات الغبار، ثم خطوط دفاعية لوزارة حرب تمتلك أقوى المعدات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وجدار فصل عنصري يرتبط بقواعد خرسانية أرضية ويرتفع في الفضاء بحيث يصعب تسلقه أو اختراقه.
ما العمل إذن؟ هذا السؤال لم يرد على لسان أبطال فلسطين، بل افترض العدو الغاشم أنه السؤال الذي سوف يقف هذا الشعب إزاءه عاجزاً عن الإجابة، فما كان من الشعب إلا أن شمر (كعادته) عن ساعد الإيمان ليسطر حروف إجابته بالعمل وليس بالقول، ولسان حاله يقول: إن أقفلوا الدنيا فوق الأرض، سنخرج لهم من تحت الأرض.
وهذا الذي كان؛ ثلة من الشباب يؤمنون بالله سبحانه وتعالى أولاً، ثم بعدالة قضيتهم، وبحقهم المشروع في المقاومة حتى نيل حريتهم، وتحرير أرضهم، وإقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة بعاصمتها القدس الشريف؛ فالأرض هي الأرض؛ فلسطين من البحر إلى النهر عاجلاً أم آجلاً، ولن يحبسهم عن تحريرها حابس؛ حفروا الأرض مؤَمّنين هجومهم وانسحابهم، كل شيء بمقدار، الحسابات كلها دقيقة؛ التوقيت، الهدف، التنفيذ بدءاً من الهجوم وانتهاءً بالعودة، ومروراً بقهر العدو الغاصب وجعله يقف مشدوهاً فاغراً فاه أمام همّتهم وقدرتهم على الاقتحام وأداء المهمة المرسومة، ثم الانسحاب المتمرس والفوز بصهيوني أسير يكسرون به شوكة عدو متغطرس، ومن ثَمَّ يجعلونه يتخبط في مكانه كالثور الهائج.
ذُهل العدو، صُعق من هول المفاجأة، اضطربت الدنيا لديه، لم يُبق لديه طائرة ولا دبابة ولا مدفعاً ولا قنبلة إلا واستخدمها، دمر كل حاجات الإنسان وحرقها؛ عطل الكهرباء، وأفسد الماء، ولوث الهواء، حتى القرصنة الجبانة استخدمها، كل شيء لديه مباح من أجل تحرير سجّان سجنه المسجونون، ولكن هيهات، فالشعب وهب نفسه رخيصة من أجل فلسطين، وله مطالب على العالم أجمع، كما على الغاصب، أن يذعن لها.
مطلبهم؛ طرد الغاصب وتحرير الأرض والإنسان، وهو أمر حتمي لا رجوع عنه، مهما كانت الظروف، ومهما اغتر العدو بقوته وبحجم مَنْ يقف خلفه.
هكذا هي الحال في فلسطين ولدى شعب فلسطين، صمود أسطوري تدعمه التضحيات، وعزة مذهلة تحكيها البطولات؛ ألا فسلمت الهامات والأيادي، وشلت يد المتجبر الباغي.
أما الحال خارج فلسطين فتبعث في الرئة غصة؛ تفسد على النفس نشوتها بإنجازات هذا الشعب العظيم؛ فقضية فلسطين قضية العالمين العربي والإسلامي، وبطولات هذا الشعب العربي المسلم الأصيل المرابط على أرض فلسطين تستلزم صرخة عز تنطلق من حناجر أبناء العروبة والإسلام، ووقفة شموخ تنصره وتقف إلى جانبه وتشد من أزره!
ولعلك سمعت قارئي الكريم ما جاء على لسان أحد الصهاينة؛ وهو رئيس تحرير صحيفة صهيونية مقيتة، في مقابلة تلفزيونية فضائية مع قناة التطبيع العربية المعروفة؛ وهو ينظر إلى مذيعة تلك القناة، راسماً على وجهه الباهت ابتسامته الخبيثة، ويخاطبها بالقول: يا خديجة العالم كله مع إسرائيل، العالم كله ضد حماس، حتى العالم العربي لم نسمع منه صوتاً يقول لا لما تقوم به إسرائيل ضد حماس؟ حماس هي المحاصرة! أما نحن فالعالم كله معنا!
وهنا مكمن الغصة؛ جزء كبير من كلامه يحكي الواقع!
أليس كذلك يا أخي العربي! ويا أخي المسلم!
ما الذي جرى؟ هل تغير المفهوم لديك؟ أنسيت أطماع الصهيونية وحلمها الكبير؟
أتحتاج إلى مَنْ يذكرك بأن القضية قضيتك، وفلسطين قطعة من وطنك، والقدس مهوى فؤادك، وأن شعبها المرابط هو امتداد دمك وعرضك ودينك، وهو الفئة المنصورة التي لا يضرها مخالف أو جبن متخلف، ولا يخذلها متخاذل أو غدر منافق! أتحتاج إلى من يذكرك بذاك القول الخالد: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله أين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"، على قائله صلوات ربي وسلامه!!
إن كنت قد نسيت، أذكرك، والذكرى تنفع المؤمنين!
وإن كنت مؤمناً لم تنس، فلِمَ الصمت إذن؟ وإلى متى؟!
|