الفلتان الأمني المقصود لإفشال حماس

* ياسر الزعاترة

الذين اتهموا مجموعة دحلان في قطاع غزة باغتيال المجاهد أبو يوسف القوقا لم يكونوا يقصدون تبرئة الإسرائيليين من دمه، ولم يكونوا يصفون حساباتهم مع طرف بعينه، بقدر ما كانوا يطرحون تحليلهم لما جرى تبعاً لمعطيات ميدانية واضحة تقول إن تلك المجموعة ليست في وارد السماح لأي فريق ينتسب إلى حركة فتح بالعمل خارج عباءتها في قطاع غزة.
معلوم أن الغالبية الساحقة من الكادر الفتحاوي في قطاع غزة قد غدت تحت سيطرة تلك المجموعة منذ سنوات، لاسيما بعد أن حصلت على الدعم المطلق من واشنطن وتل أبيب ووضعت الأموال اللازمة بين أيديها. وحين بلغت الجرأة بدحلان حد الخروج المسلح على ياسر عرفات بهيله وهيلمانه وسيطرته على فتح ومنظمة التحرير، فقد عكس ذلك مدى الثقة بوضعه الداخلي وبالغطاء العربي والدولي الاستثنائي الذي يتمتع به. حدث ذلك بعد أن تحولت حركة فتح خلال سنوات ما بعد أوسلو إلى كادر أمني وخدماتي متفرغ؛ وصار المال هو عصب القوة. وحين صار الهدف هو إعادة تشكيل الحراك الداخلي في السلطة بعد أن غدا ياسر عرفات ''غير ذي صلة''، فقد تدفق المال على دحلان الذي استأثر بالقطاع ومد نفوذه نحو الضفة، وإن على نطاق محدود.
مع اقتراب الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة كان الإسرائيليون على ثقة من أنهم يتركون القطاع في أيد أمينة، وهي ذات الأيدي التي صاغت ووقعت اتفاق معبر رفح سيىء الذكر، وهي ذات الأيدي التي فُركت قبل ذلك فرحاً باغتيال أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي ومن ثم ياسر عرفات.
حين يصل الحال بدحلان حد القول لمحمود عباس، بحسب النص الذي نقلته الصحف الإسرائيلية قبل شهور قليلة ''يبدو أنك جننت مثل سلفك''، ففي ذلك ما يعبر عن المدى الذي بلغه غرور القوة بالنسبة للرجل ومن حوله. من خلال تحركات مدعومة، كان دحلان يرتب أوراق الانتخابات التشريعية داخل فتح، إذ تمكن عبر لقاءات متوالية بإذن إسرائيلي مع مروان البرغوثي في الحصول على مباركته للطبخة بعد توحيد قائمتي فتح، مقابل وعد بإخراجه من السجن، وهكذا بات سيد اللعبة. ولو مضت الأمور بحسب المأمول لكان هو رئيس الوزراء الآن، ولعادت النغمة الأمريكية الإسرائيلية القديمة ممثلة في المطالبة برئيس وزراء ذي صلاحيات واسعة، كما كان الحال أيام ياسرعرفات بالنسبة لأبي مازن.
جاءت نتيجة الانتخابات لتفركش هذا المخطط، ولتترك في نفوس أصحابه غصة لن يوقفها غير إفشال حماس بكل الوسائل الممكنة، إلى جانب العمل الحثيث على تشويهها، أي عدم تركها تخرج من المعركة مظلومة.
وقد لاحظ المعنيون كيف تحول التصريح الأول الذي صدر عن دحلان برفض الشراكة مع حماس إلى موقف ثابت لحركة لفتح. ما يجري الآن هو التنفيذ العملي للمخطط المذكور، ونتذكر تصريح ناصر أبو عزيز (قائد إحدى مجموعات كتائب الأقصى) قبل أسابيع، بأنه سيواصل ''الطخطخة'' إلى حين إفشال حماس، وهي لعبة ليست صعبة إلى حد كبير، لاسيما وأن جميع كوادر الأمن هم من حركة فتح، فيما لن يخضع منهم لولاية الحكومة (نظرياً بالطبع) غير الشرطة والأمن الوقائي والدفاع المدني، فيما يبقى جهاز المخابرات والأمن الوطني والقوة 17 تحت ولاية محمود عباس، وبتعبير أدق، تحت إمرة دحلان، وربما جبريل الرجوب في الضفة الغربية، مع العلم أن تحالفاً مصلحياً قد جمع الرجلين في الآونة الأخيرة بعد عداء مر أيام الرئيس عرفات.
إذا صح أن القاهرة قد تبنت هذه المجموعة للتخلص من صداع حماس، مع علمها بارتباطاتها الخارجية، فإن أياماً عصيبة ستواجه حكومة هنية، وكذلك بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي يواجه الانفلات الأمني إلى جانب برنامج ''كاديما'' للانفصال أحادي الجانب، لكأننا أمام تطبيق عملي للتهديد الإسرائيلي بجعل الشعب الفلسطيني يدفع ثمن تصويته للإرهاببين.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع