الاستفتاء... طوق نجاة أم مشروع حرب أهلية؟!
خالد معالي
سارعت أمريكيا وعملائها والدول المتجبرة بالشعوب الضعيفة والمقهورة والمظلومة، على عقاب الفلسطينيين بسبب خيارهم الديمقراطي الحر والتي شهد العالم بنزاهتها وروعتها ،مع أنها جرت في ظل ظروف استثنائية بوجود الاحتلال، انتخابات عبرت عن الإرادة الحرة والحقيقية للشعب الفلسطيني، وعكست الإرادة العامة المتحدية والتي تصبو للحرية وكنس الاحتلال ، وعدم الانبطاح للاملاءات الأمريكية الإسرائيلية كما تفعل جماعة اوسلو المدعومة بالمال والسلاح من الأعداء، خاصة فرقة الموت التي تعيث فسادا وتقتيلا للنساء الحوامل في غزة ، وعبرت الانتخابات عن رفض إخضاع الحق الفلسطيني لمعايير ومقاييس القوة الظالمة الحالية المتمثلة في أمريكا والاحتلال.
ووثيقة أسرى سجن هداريم ، والتي يخطئ البعض بتسميتها وثيقة الأسرى لان هذا معناه كل الأسرى ، في حين أنها فقط خرجت من سجن واحد وهو هداريم، لا شك أنها من الممكن أن تكون أساسا من أسس الحوار الفلسطيني ، وهي محاولة لتقريب وتجميع الوضع الفلسطيني صدرت بحسن نية من قبل الأسرى الأبطال، الا ان الذي حصل وللأسف هو إساءة استخدامها وبالذات من فئة فاسدة مصت دماء الشعب الفلسطيني، في حركة فتح ،ومقربة من رئاسة السلطة الفلسطينية، قد حولتها مشروع للحرب الأهلية ولتقسيم المقسم في الشارع الفلسطيني بدلا من الوفاق الوطني.
وقرار عباس الذي جاء للرئاسة بعد تمديد ساعتين لعملية الاقتراع للانتخابات الرئاسية والذي يعرف الجميع ما حصل فيها من تزييف وتلاعب،قراره بتحويلها -لاستفتاء شعبي- يحرفها عن مسارها الذي وجدت لأجله، ويفقدها مصداقيتها كونها تستخدم وظيفيا – بخلاف مضمونها وأهدافها - لشطب وسرقة قرار جماهير الشعب الفلسطيني في انتخابات المجلس التشريعي الاخيرة، وتستخدم لإعادة قهر إرادة الشعب الفلسطيني وإعادة الفاسدين والظلمة رضوخا للاحتلال المجرم الطاغي وسالب شرف الأمة، وللحصار الدولي الجائر على هذه الإرادة من قبل أمريكا خاصة.
والاستفتاءات تستخدم عادة لدى الشعوب التي تحترم نفسها في تقوية صفها ووحدتها للرقي نحو الافضل ،وفي مثل ظروف الشعب الفلسطيني الذي هو اشد ما يكون حاجة للوحدة والتكاتف نرى الذي يحصل هو العكس تماما ، فالاستفتاء يستخدم بطريقة ماكرة للالتفاف على الحوار الوطني وللالتفاف على خيار الشعب الفلسطيني.
وبامتياز يعمل الاستفتاء على توجيه ضربة للوحدة الوطنية الفلسطينية وإحداث شرخ سيدفع شعبنا ثمنه غاليا ويقوده الى حرب اهلية ينتظرها الاحتلال والفئة الفاسدة في فتح وفرقة الموت التي عجز الاحتلال عن القيام بما تقوم به من أعمال .
ومعادلة الاستفتاء أتاحت المجال لامريكا والاحتلال بتثبيت تفوقهما على الارادة الفلسطينية المستقلة وهي أغلى ما يملك الفلسطينين ، والاحتلال نجح في تحويل الصراع الى فلسطيني فلسطيني بعدما كان فلسطيني يهودي ، بفعل وثيقة الاستفتاء التي تحولت الى قميص عثمان فما يجري فعليا هو تحكم العدو بخيوط اللعبة بفعل هذه الوثيقة التي تحولت الى شرارة الحرب الأهلية الفلسطينية.
فالعدو اثبت حقا انه قادر على هزم جيوش وأنظمة طاغية مستبدة ، لكن ليس شعوبا مناضلة، وكذلك ليس أنظمة تحترم شعوبها وإرادتها، وان كان العدوان المتواصل قد جوبه فلسطينيا بصقل وتمتين الوحدة الوطنية الفلسطينية والمقاومة، فان الحالة الفلسطينية الراهنة تسدد ضربة فلسطينية ذاتية لهذه الوحدة ولهذا الصمود.
ومما لا شك فيه أننا سوف نتخطى الاستفتاء ، ولكن بعد دفع ثمن باهظ حتما سيدفعه الشعب ، ولن تدفع الفئة الفاسدة منه شيئ احسب ما تعتقد تلك الفئة.
فبمجرد إجراء الاستفتاء سيجعل الاحتلال معفيا من تبعات جرائمه وسيجري عملية غسل الجرائم من قبل الاحتلال بأيد فلسطينية باسم الواقعية وتحت شعار "استراتيجية المفاوضات" والتي في حقيقتها انبطاح واستسلام وانتهاك للشرف والكرامة الفلسطينية، المحكومة مسبقا بميزان القوى الجائر، والتي تستبعد إرادة الشعب الفلسطيني كونها لا تعبر عن روحه. كما ان الاستفتاء يسهم بمجرد المبادرة اليه بمحاصرة المقاومة الفلسطينية للاحتلال وتجريمها.
ولا يعقل في عملية الاستفتاء على مصير شعب وقضاياه الاستراتيجية أن تتم العملية بدون موافقة أطرافها المؤثرين والرئيسين ،فهل شعبنا المشتت واللاجئين وأهلنا في الأراضي المحتلة هم ليسوا فلسطينين حتى لا يستفتوا، ألم يكن الاحتلال على درجة عالية من الذكاء عندما الزم جماعة اوسلو باوسلو ، وتحرر هو منها ومن التزاماتها، وظهرت فئة اوسلو بمظهر الغباء والسذاجة أن لم يكن الخيانة.
أن على من يريد الخير لشعبنا ولخياره الحر الذي شهد العالم بنزاهته ولإرادته الحرة، يجب لزاما عليه وقبل كل شيء احترام خياره وإرادته، والدفاع عنها بالأقوال والأفعال دون هوادة فلسطينيا ودوليا، وعليه دعم الحكومة الفلسطينية وشرعيتها التي جاءت بإرادة شعبها وليس على ظهر دبابة او بالتزوير والتزييف كما جاء غيرهم، وعدم الالتفاف من خلال استفتاء يبدو ظاهره فيه الرحمة ومن قبله العذاب ،حيث ظاهره لدعم الإرادة الفلسطينية لكنه ما يقف وراءه هو إرادة الغير المفروضة!!
|