تصريحات
التفافيّة
رشاد أبو شاور
كاتب وناقد فلسطيني - رئيس اللجنة التحضيرية لتجمع الكتّاب والأدباء
الفلسطينيين
4/11/2006
هي تصريحات التفافيّة ، تلك التي أطلقها عضو لجنة
مركزية من فتح ، يقول فيها بأن مالية فتح مفلسة!
عندما كنّا في تونس ، مستغفلين عمّا يدور في عتمة
العاصمة النرويجيّة (أوسلو) ، تعرّضنا لعملية تجويع مفتعلة ، ترافقت معها
حملة
دعاوية مفادها أن المنظمة أفلست
!...
ستة أشهر و (فلسطينيو) تونس ، الذين غادروا بيروت
عام 82 ، ومن رحلوا بعد اقتتال (فتح) الذي وقع عام 83 ، ومن ضاقت بهم
السبل من
المناضلين الفلسطينيين ، فقّر بهم المقام في تونس ..بدون رواتب
!
ستة أشهر من تفهّم أصحاب البيوت التوانسة لأوضاع
(ضيوفهم)
الفلسطينيين الذين باتوا عاجزين - يا حرام - عن دفع أجور البيوت التي
يقيمون فيها مع أسرهم
...
في تلك الشهور العجفاء المدبّرة ، تسوّلت نساء
فلسطينيّات أمام مسجد (الزاهرة) ، قرب مقبرة شهداء (حمّام الشّط) ، بعد
أن عجزن عن
تدبّر أمور عيش أسرهن ، خاصة زوجات الشهداء
!.
لمّا علمت الجهات الرسميّة التونسيّة غضبت من هكذا
تصرّف - وهي تعرف أن المنظمة غير مفلسة - واعتبرت أن هذا الأمر يمّس
بكرامتها ، فهي
لا ترضى لسمعتها أن تتسوّل النسوة الفلسطينيّات في تونس
...
في تلك الفترة (المهينة) ، تصدّيت شخصيّاً للكذب
والصفاقة ، وكتبت في صحيفة (الشروق) التونسيّة مفنداً كذبة أن المنظمة
أفلست ، بعد
أن عرفنا خبايا ما يحدث ، ومراميه
...
تساءلت آنذاك عن عدد الذين الموظفين الذين يقبضون
رواتبهم من المنظمة ، ناهيك عن السفارات ، والمنظمات الشعبيّة ، وقلت
بأنهم جميعاً
، تقريباً ، من فتح
.
كتبت يومها بأن (فتح) أنفقت أموال منظمة التحرير
الفلسطينيّة على عناصرها ، وكوادرها ، ومتفرغيها ، وقياداتها ، ومشاريعها
،
وادّخرت (أموالها) ، وإذا ما كانت المنظمة قد أفلست حقّاً ، وبما أن
الأكثرية
الساحقة من المتفرغين هم من (فتح) ، فالحّق ، والمنطق ، والأخلاق ،
والوطنيّة ،
والأخوّة ، تقتضي أن تنفق (فتح) من المال الذي تكنزه لأنه مال الشعب
الفلسطيني ،
ولأنها بدّدت أموال المنظمة التي هي منظمة الشعب الفلسطيني ... تكشّفت
الحقائق ،
وعرفنا أن شخصّاً (نكرة) ، كلّف بنقل حوالي أربعمائة مليون دولار إلى
البنوك
(الإسرائيليّة)
في (تل أبيب) عربون ثقة ، ولتسبق الأموال عودة القيادة (المظفّرة)
التي تركت وراء ظهرها كلّ ما يذكّرها بزمن
:
غلاّبة يا فتح يا ثورتنا غلاّبة
غلاّبة الإيد
اللي تدمّر دبّابة
الشخص الذي عاد بالملايين إلى البنوك (الإسرائيليّة)
ليس خبيراً اقتصاديّاً ، وليس مناضلاً مجرّباً نزيهاً ، وهو حضر من
العراق ليس كما
ألوف المناضلين العراقيين ، والكوادر بخبراتهم الإعلاميّة ، والعسكريّة ،
الذين
تدفّقوا وانضموا للمقاومة بعد حزيران 67
...
ذلك الشخص بعد (أوسلو) وبروز السلطة ، بات الممسك
بمقدرّاتها الاقتصادية ، وانتهى الوقت الذي كان يطلب منّا في بيروت أن
نتوسّط له مع
الصديق (حنّا مقبل) أن ينفحه 50 ليرة لبنانيّة مكافأة على مقابلة صحفيّة
ركيكة ،
غالباً لا تنشر
!
ذلك الشخص بات خبيراً اقتصاديّاً، وعقد صفقات
تجاريّة ، وتفتّق عقله عن مشاريع تبشّر الفلسطينيين بمستقبل اقتصادي
مزدهر ،
يتقدّمها كازينو(الواحة) للقمار و..، قرب أريحا المدينة الفلسطينيّة
الخالدة
!.
عضو اللجنة المركزيّة الذي صرّح بأن فتح مفلسة ماليّاً ، يدين نفسه ومن
ينطق
باسمهم ، فمالية (فتح) لم تكن تنفق على السلطة ، بل كانت تقتطع 7% من
رواتب
العاملين في الأمن الوطني كنوع من (الخاوة) لفتح ، فأين ذهبت هذه الأموال
على مدى
سنين ما بعد (أوسلو) ؟ ولماذا لا ينفق منها على رجال الأمن الوطني
الفقراء ، وعلى
ألوف الموظفين المنضوين تحت اسم فتح ؟!
عضو اللجنة المركزية هذا الذي تعلّم في دولة أوربيّة
، ثمّ عيّن سفيراً ، ومكث في ذلك البلد ثلاثين سنة - يا الله كم ناضل
وتعب وهو سفير
! -
كان ينفق من مال منظمة التحرير
! .
هذا التصريح التفافي ، استباقي ، وهو يوظّف للتحريض
، هدفه أن لا يطالب ألوف الموظفين في السلطة بوزاراتها ، وأجهزتها ،
،وجيش السفراء
وموظفي السفارات ، برواتبهم من قيادتهم الفتحاويّة ، ولكن من الوزارة
الحمساويّة
!...
مرّ شهران بدون رواتب ، وها هو الشهر الثالث يمضي
بطيئاً ، ومالية السلطة مفلسة ومديونة بمليار ونصف ، وال140 ألف موظّف
بدأوا
يجوعون
!
هذا التصريح يرمي إلى قطع الطريق على من يتساءل عمّا
تملكه (قيادة) فتح وتحجبه ! إنه يصّب في حملة تيئيس الشعب الفلسطيني ،
ويأتي ضمن
خطّة إفشال وزارة (حماس) ، وتحميلها أوزار حقبة السلطة . إنه جزء من حرب
معلنة
عقابيّة للشعب الفلسطيني ، يشارك (أصحابه) الإدارة الأمريكيّة ، والكيان
الصهيوني
، خطّة مصادرة نتائج الانتخابات التشريعيّة الفلسطينيّة ، تمهيداً لعودة
(أبطال)
أوسلو ، للتحكّم بالسلطة ، واستئناف رحلة الفساد السياسي ، والمالي
...!
ذلك الشخص الذي عبث بالمال الفلسطيني وهرب بعد
(حصار)
الرئيس عرفات ، قيل بأنه (أعاد) ملايين الدولارات ، ولا ندري كم مليوناً
أبقى لنفسه الأمّارة بالسوء
!.
لقد أذهلني أحد (التقدميين) الفتحاويين - حصل على
منصب رفيع بعد (أوسلو) ، وكان عارض أوسلو حوالي ثلاثة أسابيع كاملة ،
أواخر أيامنا
في تونس ! - حين أجابني على تساؤلاتي عن مصير (-الملايين)
:
-
علمت أنه تمّ استرجاع أربعمائة مليون
...
ويضيف
:
-
ربّما بقي معه شويّة ..المهم (أننا) استرجعنا منه
أغلب المبلغ
!
-
شويّة قدّيش يعني ؟!
دون أن يرمش له جفن
:
-
ممكن ميّة ، متين
..
مائة ، أو مائتا مليون دولار ، ويلفظ الرقمين على ما
بينهما من فرق بلا اكتراث ! . لقد صار واقعيّاً أوسلويّاً كامل (الدسم)
...
ذلك المناضل (المثقّف) الواقعي ، المتّزن ، الهادئ
لا يتوقّع أن نسأل : وماذا عن فضيحة الـ 700 مليون التي قرأنا عن سرقة
الفاسدين لها
؟!
ماذا عن القصور في ضواحي عمّان الفخمة ، والقاهرة ،
ومدريد ، و.. باريس ؟!
هل سمعتم أن أسرة (مانديلا) تملك الملايين ؟ هل كان هوشي
منه يتاجر بالإسمنت ؟ هل ترك بطل القسطل عبد القادر الحسيني - ذكرى
استشهاده يوم 8
نيسان - ملايين الدولارات لأبنائه ؟ هل ترك الشيخ أحمد ياسين والدكتور
الرنتيسي
قصوراً في (غزّة) ؟!
من عبثوا بقضيّة شعبنا ، ولقمة خبزه ، وكرامته ،
شعبنا يزداد حقداً عليهم وهو يرى إمعانهم في خداعه وإهانته، ولن يحمّل
(حماس) أوزار
فسادهم
...
لقد أضاعوا (الملايين) ، وملايين الفلسطينيين لن
يسامحوهم ، وغضبهم سينزل عليهم
...
|