دفاعا عن الحكومة الفلسطينية
 

بقلم : د. عبد الرحيم كتانة – نابلس

بداية, اوكد على صحة مقولة ان لا ديموقراطية تحت الاحتلال ( لا في فلسطين ولا في العراق ), ولكن ما دامت هذه القضية خلافية في ساحتنا الفلسطينية, وما دامت غالبية القوى الفلسطينية تجاوبت مع نداء الانتخابات, وما دامت القوى الفائزة في الانتخابات التشريعية الاخيرة تطرح شعار " يد تبني ويد تقاوم "" و""نعم للاصلاح والتغيير ولاستمرار المقاومة ونعم لاعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على اسس كفاحية  ولا للاعتراف المجاني بالكيان الصهيوني , فانني قررت ان هذه الحكومة تستحق ان تدعم وان ياخذ بيدها .

ثم ان الجهة التي شكلت هذه الحكومة , وبغض النظر عن كل الملاحظات والتي كنت قد عبرت عنها في مقال سابق , تنحاز , وبشكل واضح لمعسكر الممانعة والتصدي للمشروع الامبريالي – الصهيوني في المنطقة . ونحن نعلم ونرى ان هناك صداما بين مشروعين في منطقتنا : مشروع اسرائيلي امريكي (غربي عموما ) يستهدف الامة جغرافيا وتاريخا , حضارة وثقافة ,اقتصادا وثروات. يراد لهذه الامة ان تتجزأ اكثر فاكثر الى طوائف وقبائل لتسهل السيطرة عليها وعلى ثرواتها ووعيها وفكرها لتصبح قبلتها , بالنهاية , تل ابيب وليس مكة المكرمة. وهناك المشروع المقاوم ويتمثل بالمقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية والممانعة الايرانية والسورية ومعهم جميع شعوب الامة . والواضح ان حركة حماس بمقاومتها وموقفها السياسي تتموضع في جبهة الممانعة ,هذه , وعلى الاخرين الذين يهاجمونها ان يحددوا معسكرهم بوضوح .لم يعد مقبولا اسلوب المماحكة والتبرير والتهرب من هذا الاستحقاق . ولم يكن الهجوم المبالغ فيه على خالد مشعل وتصريحاته في دمشق الا جزأ من هذا النهج التبريري الاستباقي لما هو ات. وقد وجد اصحاب هذا النهج فرصتهم(اخيرا ) لينقضوا على المتكلم واصحاب المكان ,الذين استقبلوا الزهار بافضل ما يكون الموقف العربي الاصيل المتضامن مع الشعب الفلسطيني . والمعروف , للقاصي والداني ان بقايا مؤسسة متنفذة لا زالت, وستبقى, تحارب اي تقارب فلسطيني مع اي طرف عربي – اسلامي مقاوم , لانهم لا يؤمنون لا بالعروبة  ولابالاسلام, وكان شعارهم دائما "يا وحدنا ....والقرار الفلسطيني المستقل المتحرر من اي التزام اتجاه الامة ".وكأن لسان حالهم يقول :انه طالما لم نستطع نحن تحقيق التحرير فلن يستطيعه طرف اخر ,ولذلك رايناهم يشككون في انجاز المقاومة في لبنان المتمثل بتحرير الجنوب .

ثم علام هذه الضجة؟ فقد قالوا هم انفسهم في بعضهم اكثر بكثير مما قاله خالد مشعل .لنتذكر ماذا قال الرئيس الراحل بالرئيس الحالي ! الم يصفه بكرزاي فلسطين ؟ ثم ما قاله نصر يوسف وزير الداخلية السابق في احدى جلسات المجلس التشريعي السابق ,حيث قال وبالحرف: ان هناك بعض القادة في الاجهزة الامنية الفلسطينية يعملون لصالح جهات اجنبية ضد مصالح الشعب الفلسطيني وان هذه الاجهزة مخترقة !! ما معنى هذا الكلام ؟وهل هو بعيد عما قاله خالد مشعل ؟ ولكن وكما يقول مثلنا الشعبي (اللي ببطنه عظام بتقرقع ) . وانا اتذكر ان من اثار الجموع الفتحاوية ضد تصريحات مشعل هم انفسهم ( وبشخوصهم ) من حرض الرئيس الراحل ياسر عرفات ضد موقعي بيان العشرين (وكنت احدهم )فهمسوا باذنه ان هؤلاء عملاء سوريا وايران وانهم يحضرون لانقلاب ضد الرئيس ويجب تقديمهم للنائب العام بتهمة الخيانة الوطنية العظمى .نفس الاشخاص ونفس العبارات ونفس الموضوع لماذا؟ ببساطة لانهم شعروا انهم وامثالهم هم المستهدفون تحديدا وليس حركة فتح كما ادعوا. فخالد مشعل لم يذكر في اتهامه حركة فتح, ونحن ,عندما وقعنا بيان العشرين لم نذكر حركة فتح , بل كان بيننا اكثر من كادر من شرفاء حركة فتح كالاخ الاسير حسام خضر والنائب السابق الدكتور علي ابو الريش والمناضل المرحوم احمد شاكر دودين احد مناضلي فتح في دورا الخليل .ولذلك فالتهمة باثارة الفتنة مردودة عليهم بل تلبسهم لبوسا .

وتقوم هذه الفئة ,نفسها بتهييج الشارع الفتحاوي وكأن هناك خطرا داهما يحيق بحركتهم ,تماما كما هيجته اثر توقيع بيان العشرين وسيرت المظاهرات حفاظا على القرار الفلسطيني المستقل!! وكأن القرار الفلسطيني لا يكون مستقلا الا في ظل الفساد والفاسدين . ان تحريض الشارع هو الفتنة بعينها ,انظروا ماذا حصل بجامعات غزة من دمار واستنتجوا من يريد الفتنة؟؟ وتجتمع اللجنة المركزية لحركة فتح لمناقشة خطاب مشعل وتداعياته ,وتمضي الساعات الطوال في صياغة بيانات الادانة والتنديد والتحذير والتلويح بالويل والثبور وعظائم الامور ,فخالد مشعل اتى من كوكب اخر وتطاول على المناضلين الذين استردوا فلسطين, وما دام لا يعتبر م.ت.ف. الممثل الشرعي والوحيد فهو نفسه غير شرعي ويجب رفع الغطاء عنه وعن حزبه ... وباقي السيناريو معروف . كنت اتمنى لو ناقشت اللجنة المركزية كيفية مساعدة الشعب الفلسطيني للخروج من الازمة التي يعيشها . كنت اتمنى ان تناقش اللجنة المركزية الاسباب الحقيقية لخسارتها في الانتخابات وتستخلص العبر بدلا من لوم بعض المستقلين وتعليق الفشل على شماعتهم .كنت اتمنى ان تقوم بتنظيف صفوفها من الفاسدين والمفسدين ومن تكرشوا على حساب الشعب . كنت اتمنى ان يقوموا بمساعدة الحكومة بتدبير رواتب الموظفين في السلطة والذي ينتمى 95% منهم الى حركة فتح بالتحديد ..

وهكذا يصبح واضحا لماذا يصر البعض ممن يحسبون على مؤسسة الرئاسة وزمر الفاسدين (من كافة التنظيمات ) على عرقلة عمل الحكومة ووضع العصي في دواليبها . ويصبح واضحا ان من يقوم بمثل هذه الاعمال انما يساهم , بقصد او بدون قصد , في محاصرة الحكومة متماثلة في ذلك مع اعداء الامة ؟ هل يعتقد هؤلاء بانهم سيهددون حركة حماس ويفقدونها شعبيتها ان هم ساعدوا في محاصرتها ؟ فلينظروا اذن الى نتائج الاستطلاع التي جرت بتاريخ 23 – 4 -2006 والتي تشير الى صعود اسهم حماس وهبوط اسهم فتح رغم الحصار والضغوط . ولعل هذه الضغوط كانت احد اهم الاسباب التي ساهمت بفوز حماس في الانتخابات التشريعية .

ولو تصورنا , جدلا , ان حركة فتح تصرفت امام هذه الازمة بمسؤولية وطنية وافرجت عن بعض اموالها ( التي لا تاكلها النيران ) لحل ازمة رواتب ابنائها , لكبرت في عيون شعبها ولزادت رصيدها فعلا , ولكن هيهات .

ولذلك اتوجه الى ابناء فتح الشرفاء , واعرف انهم الاكثرية الساحقة , وادعوهم الى عدم الانجرار وراء الفاسدين الذين لن يزيدوا الحركة الا تدهورا , والالتفات , بدلا من ذلك , لتنظيم بيتهم الداخلي وتنظيفه من الشوائب وتحمل المؤولية الوطنية . فالعدو لا يفرق بين ابن حماس وابن فتح , فالفلسطيني مكانه الطبيعي اما تحت الارض او خارج الوطن (حسب الرؤية الصهيونية ). كفانا الاختلاف على التفاصيل ( ففيها يكمن الشيطان ) ولنلتفت الى ما يمارسه الاحتلال , فلم يتبقى شيء من الارض لنختلف عليه . ولنتذكر دائما ان الكرامة الوطنية اهم من التخمة وان الزيت والزعتر اطيب من الهمبرغر.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع