أكثر من عشر سنوات تحت الصفر |
إبراهيم المدهون – باحث وكاتب فلسطيني
بعد عشرة أعوام من الفساد والمحسوبية و الانصياع الكامل لسياسة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة, وبعد عشرات المعاهدات والاتفاقيات التي قيدت حركة المواطن وهدَّدت أمنه و دمرت اقتصاده وشتَّت تفكيره وأبعدته عن الهم الوطني الكبير وضيعت حقوقه ووضعت التاريخ والأصول والمبادئ والخطوط الحمراء تحت رحمة المساومة فاعتُرف بإسرائيل, وأُهمل الأسرى, وابتلعت المستوطنات الضفة الغربية وانتشر العملاء وتمركز الفساد في الوزارات وفي الهياكل الإدارية. وجعل هم المواطن كيف يأكل وكيف يعيش ؟
بعد ذلك كله, يخرج رموز الفساد ممن أسقطهم الشعب الفلسطيني مع آلتهم الإعلامية وأبواقهم المنتشرة ليكملوا ما بدأته إسرائيل. لإضعاف الحكومة وتهييج الموظفين. رغم أنهم هم منْ يتحمل هذه المسؤولية
فلا أدري أين كان أبو مازن ومؤسسة الرئاسة وقيادات الأجهزة الأمنية عن مثل هذا اليوم, هذا إن أعفاهم المواطنون من دورهم في حصار الشعب ومحاولتهم لعرقلة الحكومة. كيف لهم أن يتحدثوا الآن وهم من يتحمل المسؤولية الكاملة عن الوصول إلى هذا النفق المظلم. عشر سنوات من قيادتهم للبلاد. ومن تحكمهم بالموارد والأموال. لم نشاهد معلماً اقتصادياً واحداً نستطيع أن نركن إليه ونخرج من هذا المأزق, لم نشاهد مصنعاً واحداً شيِّد وبني أثناء وجودهم. لقد حوَّلوا الشعب الفلسطيني إلى جيش من البطالة يقتات لقمة عيشة من منح وهبات, فلم يؤسسوا بنية اقتصادية سليمة, بل تركوا كل ما جاءهم من أموال ضحية للفساد المالي والإداري والأمني, فامتلأت الكروش, وبنيت القصور, وانتفخت أرصدة البنوك. وترك الشعبيجد ثمن سيجارة يدخنها أصبح يمتلك الملايين ومئات الملايين.وإنَّ أكثرالذي عمَّر البلاد العربية وفيه خيرة الصناع والعمال والمهندسين وفيه من الخبرات ما لم تتوافر في أي من البلاد الأخرى في ضياع البطالة وتحت رحمة أجهزة الفساد الإدارية والأمنية, حول هذا الشعب بسبب سياستهم المتراكمة إلى شعب جائع يقتات الراتب آخر كل شهر على حساب مبادئه وحقوقه وقضيته.
إنَّ أكثر من عشر سنوات من الفساد والمحسوبية والتبعية السياسية والأمنية أنتج الأزمة الحالية , ولهذا من يجب أن تخرج المسيرات ضده؛ هم هؤلاء اللصوص والفاسدون والمرتشون الذين يساعدون اليوم على كسر الصمود وجر الشارع الفلسطيني لركوع والاستسلام للمشروع الصهيوني . فالشعب الفلسطيني لن ينسى من باع وضيع وساوم وتنازل مقابل منافع شخصية.
إن السياسة التدميرية التي اتبعتها السلطة طوال الأعوام الماضية أنتجت هذه الحالة من الضعف والوهن, فلقد اهتمت السلطة قبل ذلك, ببناء المعتقلات وتشييد السجون, وزخرفة الكازينوهات. ونشر الخمارات. وأهملت المصانع والمصارف والمشاريع المالية والبنية التحتية مما أدى لسلطة هشة تقتات على المساعدات ولا تملك قوت يومها, وتفتقر لمقومات الصمود, لقد كانت هناك سياسة ممنهجة تقوم على التبعية الاقتصادية والسياسية والأمنية لإسرائيل.
إن الشعب الفلسطيني يدرك أن محاسبة هؤلاء قد اقتربت, فهم أس البلاء والشعب اليوم يتحمل الجوع وفقدان الأمن بسبب تبعيتهم وخدمتهم للمشروع الصهيو أمريكي.
للأسف لقد استلمت الحكومة الحالية وضع اقتصادي مدمر, وهي الآن تبدأ من تحت الصفر بكثير. الحكومة الحالية اليوم تحتاج إلى معجزة حقيقية لتعيد للوطن أمنه واقتصاده. وهي مؤهلة لذلك لما تحمل من تاريخ نضالي ووطني وشرعي مشرف وما يتخللها من الخبرات ومن يعمل لأجل الوطن. ولهذا فنحن نحتاج من الحكومة اليوم أن تصبر وأن تقوم بمواجهة الهجمة الداخلية بشجاعة , وتستمر ببرنامجها الإصلاحي , فلم تعد القضية الفلسطينية اليوم كما أراد رموز الفساد قضية مهملة ومنسية , ومحصورة براتب , بل أصبحت اليوم قضية حية , تهتم بالأسرى , وباللاجئين , وبالقدس وبفلسطين كل فلسطين .
إن ما تواجهه الحكومة الفلسطينية الحالية من حصار وحرب واختطاف ومحاولات اغتيال النواب والوزراء كل ذلك يؤكد أن الحكومة تسير في الاتجاه الصحيح , وأنها ماضية إلى ما لا يرضي عدوها . فأمريكا وإسرائيل وعملاؤها في المنطقة يدركون جيدا أن نجاح الحكومة الحالية يهدد أمنهم الاستراتيجي. والفاسدون يعلمون أن نجاح الحكومة اليوم يزلزل كيانهم, ويكشف أمرهم ويعرضهم للمحاسبة, لهذا نجدهم حشدوا حشدهم الإعلامي والفكري, ووحدوا صفوفهم, وبذلوا كل ما بوسعهم لمنع التغير والإصلاح إلا أن عاصفة التغير أكبر وأقوى من بيوتهم الواهنة.
الشعب الفلسطيني يدرك أن الفساد قد ذهب ولن يعود, ويدرك أن هذه الحكومة قادرة على الخروج من هذا الحصار الخانق, وأنَّ القادم سيكون نصرا, لهذا فالشعب تحمل ما لا يتحمَّله أي شعب آخر, وهو على استعداد أن يتحمل, ما دام القائم على الأمر أناس أهل ثقة. وعلى الرئيس عباس أن يتحمل مسؤوليته أمام الشعب الفلسطيني وأن يخرج من دوره السلبي في التعاطي مع الأزمة، وألا يُكبِّل الحكومة بمزيد من الشروط, وأن يتعاون من أجل إكمال طريق التغيير والإصلاح.
|