حكومة القرف الوطني

"خذوا المناصب والالقاب واعطونا دمنا نصون به الوطن"



بقلم عدنان الصباح

حكومة وحدة وطنية, اتحاد وطني, ائتلاف وطني, انقاذ وطني, خلاص وطني, والحقيقة ان المشترك الوحيد بين كل التسميات هو القرف, فقد اقرفونا من كلمة وطني, حتى اصبحت مرادفة لعكسها, فاية وطنية هذه التي تمنع ثلاثة ملايين فلسطيني يتعرضون منذ قرن لحالة من الانقاص العددي والانقاص النفسي وانقاص الصمود والانتماء وزيادة لا تحصى في الشهداء والجرحى والمعتقلين والمهجرين واللاجئين والنازحين والمنفيين قسرا والمهمشين والذين قرروا اغلاق ابواب بيوتهم على انفسهم وترك الوطن لاصحاب المناصب ومن لا هم لهم سوى الحديث عن حكومة تافهة, لا معنى لها فهي لا تحكم, لا تحكم, لا تحكم, اية وطنية تمنع شعب بهذا الوضع من الغاء خلافاته والالتفات لما يصنع به الاعداء من كل حدب وصوب.

الرئيس الفلسطيني الذي يحلو لهم كيل المديح له بمناسبة وبدون مناسبة حتى باتوا يريدون القول لنا لا تثقوا بهذا الرجل, فكلما امتدحت امريكا جهة حولتها رغما عنها الى جزء من أعداء شعبها ، وهذا ما فعلوه بعباس حين كان رئيسا للوزراء ولا زالوا يفعلون ذلك به وهو رئيس للسلطة ومنظمة التحرير. هذا الرئيس المحظوظ لدى الادارة الامريكية بالمديح اللفظي، لم يتمكن من العودة للوطن رغم حجم المعاناة في يوم الاحد الدامي, بسبب عيد الغفران عند اليهود, ورئيس الوزراء لن يتمكن من الانتقال الى الضفة الغربية بسبب رفض الاحتلال الاعتراف بأنه رئيس حكومة شعب شرعي ومنتخب ونائب رئيس الوزراء وضع قيد الاقامة الجبرية، وهو لن يتمكن من الوصول الى مكتبه في رام الله، ورئيس المجلس التشريعي وعدد لا بأس به من زملائه ووزراء ثقته في المعتقل, ومع ذلك نعطي لبعضنا البعض مهل وأيام ونتحدث ونتصارع ونطلق النار على بعضنا، ونصرخ في وجوه بعضنا ونخون بعضنا, وكان الاعداء بعيدين وليسوا في داخل بيوتنا, لينظر أيا من أبطال شاشات التلفاز قبل أن يتحدث إن كان هناك جندي اسرائيلي في غرفة نومه أم لا أولا, ثم ليهز شواربه كما يريد. تهديد وتهديد لم نراه ضد الاحتلال, معارك يسقط فيها أكثر مما تمكن مقاومينا من النيل من جنود العدو خلال أشهر أو أكثر, فاي بطولة هذه وماذا سنسمي ضحايا الاقتتال من أجل حكومات القرف الوطني, واين سنكتب اسماءهم غدا, ومن سيقرر إن كانوا شهداء أم لا, ضحايا من هؤلاء؟؟؟, وكيف ستزغرد أمهاتهم؟؟؟, أم أن هناك لدينا ايضا من يعطي صكوك غفران ويصدر شهادات استشهاد, وماذا سيقول الجرحى غدا حين يسالهم اطفالهم برصاص من قد جرحوا.

إنني أطالب الى كل القوى والفصائل الاخرى خارج فتح وحماس أن تنزل الى الشارع لتشكل حاجزا بشريا بين أخوة السلاح، بدل اكتفائهم بالبيانات من على صفحات الصحف ومواقع الانترنت وشاشات الفضائيات، التي تتقن فقط اختيار أولئك الذين يصبون الزيت على النار, ولا تبحث أبدا عن أصوات العقل والمنطق. انزلوا الى الشارع واخجلوا من عجزكم وصمتكم، فالتاريخ لن يرحمكم إن أنتم بقيتم في سباتكم هذا, انزلوا إلى الشارع حماة لشعبنا وأبناءنا وأخوة السلاح، لعل وعسى تستعيدون بعضا من ثقة الناس بكم, ولا تنتظروا أن يخسر العملاقين لتكسبوا. فان كان هذا شعوركم الداخلي، فثقوا انكم الخاسرين الأكثر، لأنه لا وجود لكم ابدا ولم تفعلوا شيئا سوى القيام بدور المتفرج وهو دور أسؤا بكثير من دور القاتل.
اجمعوا عناصركم وأنصاركم، واحتلوا بوابات بيوت ومؤسسات الطرفين وامنعوهم من الاحتكاك رغما عنهم فسيكون الشعب معكم وكل الخيرين من الطرفين. استعيدوا مكانتكم مرة واحدة فالشعب أحوج ما يكون اليوم لكم, وحدوا جهودكم مرة واحدة لإنقاذ الشعب, شكلوا قيادة ميدانية موحدة في كل موقع، وتعالوا فوق التفاهات وسفاسف الأمور, لا تختلفوا من القائد بل توحدوا على الهدف, لا تختلفوا على من سيكسب هنا او هناك, فالشعب اليوم بحاجة ماسة لكم, لدوركم, لوحدتكم, لقوتكم, لاسنادكم, انتصروا على الذات لصالح الشعب والقضية والغد.

إنني أتوجه بكل الصراحة وبطلب واضح وليس رجاء او استجداء, بل طلب حقيقي باسم الشعب, باسم تاريخكم, باسم برامجكم الورقية, باسم نقاء اهدافكم المعلنة, باسم الشهداء, باسم الجرحى والمعتقلين, باسم أولئك الذين ينتظرون رصاص الموت من الأصدقاء, انتصروا لذاتكم, اقول ذلك للجميع, وقبل فتح وحماس, أتوجه إلى الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب وفدا والمبادرة الوطنية والقيادة العامة والصاعقة والتحرير العربية والفلسطينية والنضال الشعبي، وأية أسماء أخرى، أن تحشد ما أمكنها كما تفعل في احتفالاتها واستعراضاتها، وستجد معها كل الغيورين لتشكيل لجان حماية المشروع الوطني والوحدة الوطنية، بدل أن يتركونا نهبا للقرف الوطني من كل المسميات التي أفرغوها من مضمونها, فهل المعركة هي فقط بين فتح وحماس, هل الوطن هو فقط لفتح وحماس, هل الشعب هو فقط شعب فتح وحماس, هل هاتين القبيلتين الكبيرتين صاحبتا الحق بالوطن ومشروعه وأنتم على الهامش؟!, وإذا كان كذلك فلم أنتم إذن موجودن, إنني استصرخكم وأنا واثق ان معي كل الشعب في الوطن والشتات يستصرخكم ان خذوا دوركم.

أيها السادة

أيها القادة

يا قادة فتح وحماس وكل القوى

لسنا بحاجة لحكومة إنقاذ او خلاص أو وحدة أو اتحاد, نحن باختصار بحاجة لوطنيين مخلصين أولا وأخيرا قادرين على توفير الارض لحكومة تحكم لا توفير مناخات صراع في الهواء على حكم يلغي الوطن الذي نختلف على حكمه قبل ان نتمكن منه.

إننا بحاجة لوطنيين يحرقون رايات القبائل التي يستظلون بها ويرفعون راية الوطن راية فلسطين والتي هي راية العرب ايضا, بحاجة لوطنيين نبني بهم حكومة وطنية تحكم, فلا شيء اسمه حكومة وحدة وطنية, في كل العالم هناك حكومة ومعارضة ومع ذلك يتعاون الجميع, الوطنية وخدمة الوطن ليست مرتبطة بعدد الوزارات والوظائف بل بالكفاح على الارض وبين الشعب ومعه.

نحن بحاجة لوطنيين يجمعون راياتهم التي يستعرضون بها في شوارعنا في راية واحدة هي راية الوطن, وأسلحتهم التي تصيب أبناءنا بمقتل برصاص يدافع عن أبناءنا ويحميهم من الأعداء، وإلا فان من الأفضل أن توزعوا سلاحكم على أطفالنا قبيل عيد الفطر السعيد، لنقول لهم أن ثورتكم أهدتكم العابا للعيد بسبب الضائقة المالية. أشرف مائة مرة أيها السادة أن تعودوا إلى بيوتكم، وتجعلوا شعبنا يسترد أنفاسه، ويعاود الكفاح من ان تستنزفوه بصراعاتكم.

أفضل أيها السادة أن تغادروا مواقعكم، فستريحوا وتريحوا، أو أن تستنهضوا وطنيتكم في الدفاع عن الوطن والشعب، وإيجاد آلية حكم للحكومة بدل الاقتتال عليها, فليس مهما اسم رئيس الوزراء والوزراء، بل المهم هي قضية شعب عاش قرنا من الزمن يكافح في سبيلها, المهم تلك القضية العظيمة التي غادر في سبيلها الشهداء حتى الان عشرات آلاف الجرحى على طول وعرض الوطن والمنافي.

قبل سنوات قليلة زرت مخيم عين الحلوة للاجئين في لبنان، وهناك التقيت بقيادة المخيم من سائر الفصائل, وتأملتهم واحدا واحدا فلم أجد منهم أحد دون إصابة في الوجه أو اليد أو الساق, كل واحد منهم كان يحمل وسام شرف عن معارك خاضها في سبيل فلسطين لكي تعود حرة, لا لكي تعود كراسي وهم لحكومة وهم يستكثرونها على بعضهم وفي سبيلها يسعون لشطب جراح هؤلاء الابطال ودماء الشهداء وأنات الجرحى.

إن ما يجري اليوم وما تؤشر له احتمالات المستقبل، تؤكد أن على كل الوطنيين والغيورين من كافة الاتجاهات والتلاوين أن يرفعوا الوطن فوق القبائل, فوق المصالح الحزبية الضيقة, ولينخرطوا معا على أرضية الكفاح، لا على مقاعد الوزارات والإدارات التي يحاصرها الأعداء من كل حدب وصوب, قفوا حاجزا بين رفاق السلاح وليسقط الشهداء في معركة حماية شرف السلاح الفلسطيني بدل أن يسقطوا في معارك تلويثه, ليسقط الشهداء في سبيل حقن الدماء بدل أن يسقطوا في معركة إسالة الدماء.

من العار أن يأتي إلينا وسيطا وزير خارجية قطر، الأرض التي تحتلها امريكا بالكامل، والبلد الوحيدة التي تفخر بأنها أول من أقامت علاقات مع اسرائيل وتصر على استمراها, من العار أن تأتي الينا كونداليزا رايس لتتحدث عن الضحايا الابرياء, من العار أن يأتي رئيس وزراء حكومة بلفور، ليتحدث عن حكومة الوحدة الوطنية, من العار أن يتدخل العالم ليوقف خلافات من يخضعون للذبح يوميا بإيدي أعدائهم، ولا يخجلهم ذلك من رفع سلاحهم بوجوه بعض.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع