أكل هذا الحب لأولمرت يا عباس؟!
أ.د سليمان صالح
صحيفة الشرق القطرية 28/6/2006
تخيلوا أيها القراء الكرام أنكم تشاهدون فيلما سينمائياً من نوع الفنتازيا يقوم على أن زعيم شعب احتلت أرضه، وتعرض لكل أنواع القهر والتشريد والذبح والتنكيل والحصار والتجويع، وهذا الزعيم يلتقي بقاتل شعبه الذي يحتل أرضه فيعانقه بحرارة ويقبله، كما يلقي حبيب هزه الشوق حبيباً.
وقديماً قالوا: من الحب ما قتل، لكن التاريخ لم يشهد من قبل ضحية تهيم حباً بجلادها، وشوقاً إلى من سامها سوء العذاب.
إن عشت ترى عجباً ولكن ليس إلى هذا الحد، هل يصبح العدو حبيباً بدون مبرر؟
هذا لعمري ضد المنطق والعقل والحكمة، وضد الخبرة الإنسانية والحضارية!!
ليس خيالاً!!
لقد سقطت الحدود بين الواقع والخيال فهذا قد وقع بالفعل في دنيا الناس، والواقع أصبح وقوعاً في هوى العدو المحبوب وفي أحضانه الدافئة، والزعيم يقبل وجه قاتل شعبه بعد أيام قليلة من ارتكابه المجازر الوحشية ضد الشعب الذي انتخبه زعيماً.
يا سادة هذا هو محمود عباس أبو مازن رئيس شعب فلسطين يلقي يهودا أولمرت رئيس وزراء إسرائيل بالأحضان والقبلات!! متى؟ هل بعد أن تحقق السلام الشامل وانسحب أولمرت من الأراضي التي احتلتها "إسرائيل" عام 1967، وبعد أن قامت دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
يا شعراء الأمة!
لا يا سادة لقد عانق عباس أولمرت بعد أن ارتكب الأخير المذابح ضد شعب فلسطين، هل تريدون أن تعرفوا حصيلة هذه المذابح، إنهم فقط عدد قليل قياساً بمئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمشردين، إنهم فقط 40 شهيداً بينهم 7 أطفال، و200 جريحاً بينهم 68 طفلاً، كل هذا في أسبوعين فقط لكن لا يهم العدد قليل، فقد مات الملايين من قبل، والدنيا مازالت تسير.
عدت أتذكر صرخات هدى على شاطئ غزة، وأمامها جسد أبيها المسجى، أشعر بنصل سكين ينغرس في القلب، وأشعر بالعجز عن الكتابة، ها قد عشنا لنرى أشد أنواع الألم وأكثرها قسوة ومرارة، لقد صرخت هدى على شاطئ غزة، ولكن أين أصرخ؟!
أناشد شعراء الأمة، وأخص منهم بالذكر أحمد مطر، وأحمد فؤاد نجم، وأمين الديب، وعبدالرحمن العشماوي، وعبدالرحمن الأبنودي أن يعبروا عن المشهد شعراً، هل هناك يا شعراء الأمة ما هو أقسى وأكثر ألماً من هذا المشهد؟!
انتفضوا شعراً!
انتفضوا شعراً يا شعراء الأمة، فوجع القلب أكبر من أن نطيقه، والمشهد يشكل صدمة لكل عربي شريف، ولكل مسلم حر، ولكل نفس تأبي الضيم والذل وترفض العولمة.
انتفضوا خيالاً يا شعراء الأمة، فالواقع تحول إلى صفعة على وجوهنا، وقبلات أبي مازن على وجه أولمرت تحولت إلى سياط تلهب ظهورنا وتاريخنا وكرامتنا وحبنا للحياة.
لم تعد لنا قدرة على التعبير أو التفكير وزعيمنا المنتخب يقبل قاتلنا ومغتصب أرضنا، المشهد أقسى على نفوسنا من مشاهد العذاب في أبي غريب.
لقد كتب علينا أن نشهد في هذا العصر ألواناً من الألم والحزن والعذاب لم تشهدها البشرية من قبل، ما أقسى الحياة في ظل الهوان، هل هنا على أنفسنا إلى حد تقبيل خدود جلادينا ومغتصبي أرضنا، فهنا على العالم كله، فلم يعد يحفل بقضيتنا أو بآلامنا، وأصبح يعتبر أن ما تقوم به "إسرائيل" من مذابح ضد أطفال فلسطين دفاعاً عن نفسها.
هل يصدق العالم؟!
هل يمكن أن يصدق العالم أننا ضحايا، وأن أرضنا قد اغتصبت وهو يشهد رئيسنا المنتخب يقبل في شوق وحرارة وجه أولمرت؟!
وهل يمكن أن يسمع العالم صرخات هدى وهو يشهد رئيسها يحتضن في شوق وحب قاتل أبيها وأسرتها؟!
ومن المؤكد أن "إسرائيل" سوف تستغل الصورة لتوهم العالم بأن السلام قد تحقق وأن العلاقات بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني على ما يرام، وأن هناك حرصاً متبادلاً بين الشعبين على تقوية العلاقات الثنائية، وأن المتطرفين الإرهابيين فقط مازالوا يطالبون بإقامة دولة فلسطينية وبحق العودة، ويهددون الاستقرار، وأن أبا مازن رجل حكيم، وشريك حقيقي في عملية السلام.
فرض الاعتراف بـ"إسرائيل"
لذلك يفرض عباس على حماس أن تعترف بـ"إسرائيل"، وإذا لم تقبل طائعة في الحوار، فسيفرض عليها هذا الاعتراف بوثيقة الأسرى، وفي استفتاء شعبي، خاصة بعد أن تعلم الدرس من تلك الانتخابات النزيهة التي فازت فيها حماس، والتي يبدو أنها لن تتكرر في فلسطين أو في أي قطر عربي آخر، نزاهة الانتخابات لن تجلب على أمريكا و"إسرائيل" سوى المصائب والويلات، ولن تجلب للسلطات سوى وجع الدماغ، ولذلك فلا نزاهة بعد اليوم، والشعب سيوافق على وثيقة الأسرى.. كيف؟!! بسيطة هنا تجارب عربية ذات خبرة تاريخية في تشكيل الاستفتاءات وإخراجها بـ 99%.
وعندها سينفذ أولمرت العزيز خطته في إعادة التجميع أوفك الارتباط، والاستيلاء على القدس وعلى معظم أراضي الضفة الغربية، بعد أن ينفذ تهديداته باغتيال قادة حماس.. ويمكن عندئذ الاعتراف بدويلة بلا سيادة ولا جيش ولا عاصمة، يتم فرض الحصار عليها، ويحرسها حرس أبي مازن الذي وفرت له "إسرائيل" وأمريكا الأسلحة الحديثة، فهل هناك حب لإسرائيل وأولمرت أكثر من ذلك؟!
لكن الانتفاضة قادمة!
مع ذلك فإن الخبرة التاريخية والحضارية سوف تمد شعب فلسطين بالقدرة على إبداع نضالي أكبر من أن يدركه عبيد الواقع، والواقعون في هوى أولمرت، شعب فلسطين سوف ينتفض انتفاضة شاملة، وسينتفض معه العرب والمسلمون ضد "إسرائيل" وأولمرت وكل من وقعوا في هواه، حماس صاحبة الشرعية الحقيقية كما أثبتت الانتخابات النزيهة سوف تقود الانتفاضة الثالثة، ومعها كل شرفاء الفصائل الفلسطينية، بما فيها شرفاء فتح وهم الأغلبية العظمى، شرفاء فتح وشهداء الأقصى سوف يلتحمون بحماس في رحلة التحرير والنصر، وإن غداً لناظره قريب.
|