الحشد الكبير في اليرموك

إبراهيم المدهون

حينما دعت حركة المقاومة الإسلامية لمهرجان الصمود والتحدي لم يدرك احد أن الاستجابة الشعبية لحماس ما زالت في أعلى مستوياتها , وان  مئات الآلاف من الناس  ستتوافد في النقطة التي حددتها حماس , بهتاف واحد وتحت شعار واحد , فكمية الضغط والحصار والقلاقل الداخلية كان اكبر من المتوقع إلا أن الحشد الجماهيري كان أعظم من هذه المؤامرات كلها , فلقد احتشد الناس على صعيد واحد , كما لم يحتشد احد من قبل , وهتف الناس بصوت واحد كما لم يهتفوا من قبل , ليعززوا للجميع أن مواقف حماس هي مواقف فلسطينية وطنية , وان  حكومة السيد إسماعيل هنية إنما تتقدم  بنفس جماهيرها الكبيرة  .

ولقد حلت الاستجابة الشعبية لغز صمود وصبر الحكومة هذه المدة رغم ما تتعرض له من حصار وعزلة ,  كما ان هذا الحشد اسقط الرهان على  ان الانتخابات جاءت مصادفة وفي غفلة من الزمن ,   فجماهير اليرموك قالوا أن أي انتخابات وأي استفتاء وأي تقييم سيكون لحماس  الفوز إن لم يكن بنسبة الانتخابات الأولى فقد يفوقه بكثير.

حتى المراقبون  لم يتوقعوا أن حماس ما زالت تتمتع بجماهيريتها العالية ,  وفوجئ  الجميع من حجم الحشد الجماهيري الكبير والذي هو الاكبر من نوعه وحجمه في تاريخ فلسطين الحديث ,   فحماس  تعرضت الى الحصار الأقسى في تاريخ الحكومات , وعانت حماس من الفوضى المنظمة عبر عصابات الموت , وقلاقل الإضرابات , ومحاولات التشويه واستهداف قيادتها وجنودها ورجالها , وحماس عانت من تمرد امني خطير توقف باردة الله وبصبر الناس والتفافهم خلف  قرارات الحكومة والحكيمة , وحماس قوطعت كما لم يقاطع احد من قبل حتى الأقرب إلى الشعب الفلسطيني مارس مقاطعة علنية وسرية فلقد تحدث رئيس الوزراء إسماعيل هنية عن استغرابه للاستجابة العربية لهذا الحصار وقال انه لم يدعى  من أي رئيس وزراء في الوطن العربي إلا من واحد . 

رغم ذلك فان الشعب الفلسطيني اثبت  أن نتائج الانتخابات الفلسطيني لم تأتي مصادفة , بل  هناك التفاف جماهيري كبير خلف حماس ووزارة هنية , وأنها تتمتع بقبول  فلسطيني هو الاكبر من نوعه , وهذا ما جعل هذه الحكومة تنتصر وتثبت اكثر من ثماني شهور رغم الحصار والفاقة والضعف , وكل ترويج  الخوف وانعدام الأمن والفقر في الأراضي الفلسطينية فشل لإقناع الناخب والجمهور الفلسطيني بخيار أخر .

إن النجاح الكبير لحماس لم يأتي إلا عبر صمودها وصبرها وثباتها وتمسكها بالحق الفلسطيني  . وهي تدرك الآن ان  الرهان على الشعب الفلسطيني هو الرهان الرابح وان أي رهان على الصهاينة وأمريكا و دول التبع سيكون  رهان خاسر فاسد لا يصمد أمام  حقوق الناس ومتطلباتهم .

جاء الناس ليقولوا لجميع الساسة ومن أراد أن يحول قضية فلسطين إلى  قضية راتب ورغيف عيش , جاءوا ليقولوا إن المبادئ والقيم والحقوق   والتاريخ وفلسطين وقضيتها أهم ألف مرة من رغيف الخبز الأمريكي ومن الراتب الصهيوني  , جاءوا ليقولوا إن  المال الأمريكي والصهيوني تحت  الأقدام , ولن يكون في يوم من الأيام سببا في تركيع الشعب الفلسطيني .

إن جماهير اليرموك الغفيرة جاءت لتقول لكتاب المواقع الصفراء الذين يقتاتون على لحوم الشهداء وأنات الجرحى ويتاجرون بالجوع , إن  أقلامهم مسمومة , وان  كتاباتهم ومواقعهم وجهدهم الإعلامي  ونظرياتهم الأمريكية وتفكيرهم السطحي  ذهب أدراج الرياح ولم تجنوا إلا  ما جنيتموه    من أموال مغمسة بالذل .

 

قلنا قبل ذلك إن سبب  انهيار فتح وتضعضعها جماهيريا وتنظيميا هو الارتماء بالحضن الأمريكي وإتباع التسوية الإسرائيلية , لهذا كان التأثير سلبي , حماس تدرك ذلك وتعلم أن الشعب الفلسطيني يعطيها الثقة بسبب  تمسكها بالثوابت و بالحقوق   رغم الضغوط والحصار . لهذا الملاحظ في الشارع الفلسطيني أن  شعبية والالتفاف الجماهيري قد زادت  واتسعت .

فالشعب الفلسطيني  مل من التسول والتنازل والذلة . مل من الاستجداء والتبعية والركون إلى الموقف الأمريكي , وعلى المجتمع الدولي الانصياع لإرادة الشعب الفلسطيني ,  فالتاريخ يؤكد أن الشعب الذي يريد  الحياة تفشل أي قوة تقف بوجهه . والشعب جاء ليقول لحماس أنت على الطريق الصحيح وأنت أرضيت من انتخبك ولا تليني لمواقف الضعف  الهامشية

الحشد الجماهيري الكبير الذي جاء ليبايع الحكومة وليشد من أزرها وليستمع لخطاب السيد رئيس الوزراء إسماعيل هنية , يمثل فارق كبير  بين ما قبل وما بعد بل انه أعطى للحكومة قوة مضاعفة , وجدار متين تستند عليه , فان كان هناك أطراف فلسطينية تستند لإضعاف الحكومة على أمريكا وإسرائيل وبعض حكومات الدول العربية , فالحكومة اليوم أثبتت أنها مع خيار الشعب والشعب اثبت انه على استعداد لحماية الحكومة والوقوف معها رغم التحديات والفاقة والتعب .

إن حركة فتح  خسرت كثيرا بالابتعاد عن الشعب الفلسطيني وتغليب مصلحتها وسلطتها والتمسك  بالفتات الأمريكي , لهذا تهاوت , واليوم  حماس تنحاز لخيار الشعب الفلسطيني

وأتعجب من  ردات الفعل  الفتحاوية او من بعض قيادات فتح . فلقد كانت اكبر بكثير من  فحوى خطاب السيد رئيس الوزراء . فخطاب السيد إسماعيل هنية كان معتدلا جدا ولا يكشف الأوراق جميعها , ولقد عرف بحلمه وصبره .  وان الردود المتشنجة في حركة فتح جاءت   من هول المفاجأة  فلقد كان الحشد كبير ,  لهذا أربك حساباتهم ومن ثم أربك ردات فعلهم . كان عليهم أن يعترفوا أن الشعب الفلسطيني ما زال مع الحكومة وان أي استفتاء او إعادة انتخاب لن تكون إلا ترجمة للانتخابات 2006 , بل ربما تتفوق حماس  في أي انتخابات قادمة , لان الشعب الفلسطيني أدرك أن هذه القيادة  والحكومة هي القادرة على تحقيق تطلعاته ومتطلبات حياته  , وعليهم ان يسلموا بالنتيجة وان يعطوا الفرصة لهذا الشعب ولهذه الحكومة .
 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع