أيها الواهمون أفيقوا

 

بقلم: عماد الدين حسين

صحيفة البيان الإماراتية 1/7/2006

 

ماذا بوسع الفلسطينيين أن يفعلوا كي يرضى عنهم الإسرائيليون وبقية العالم، هل يتحولون إلى خدم للإسرائيليين؟ هل يتركون فلسطين كاملة؟ هل ينفذون انتحاراً جماعياً؟ المشهد الراهن شديد العبثية يؤكد بوضوح أن الهدف الإسرائيلي الاستراتيجي هو قتل أو تهجير كل الفلسطينيين، بشراً كانوا أو أشجاراً، فتحاويين أو حماسيين، هوية وتاريخاً.

 

كل يوم تتأكد مقولة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بأن الصراع العربي الصهيوني هو «صراع وجود وليس صراع حدود»، والمشكلة فقط أن العدو هو الذي يدرك صحة هذه المقولة، أما نحن فنحرص بدأب على نسيانها أو تناسيها كل يوم وكل لحظة. لن نتحدث في التاريخ والحقوق والعدل والشرعية، فكل ذلك لا تؤمن به "إسرائيل" وأميركا ومعظم الغرب. سنتحدث فقط عن جندي الاحتلال الذي أسرته المقاومة الفلسطينية الأسبوع الماضي.

 

الاحتلال يعتقل حوالي عشرة آلاف أسير فلسطيني بتهمة محاولة العيش بسلام على أرضهم، هؤلاء الأسرى جرى اختطاف المئات منهم من وسط أسرهم، بينهم نساء وأطفال وشيوخ، وحتى عندما تنتهي فترة حكمهم يعاد اعتقالهم إدارياً، أوضاعهم مزرية، تعذيبهم يتم بشكل منهجي، وبوسائل شتى يعجز حتى الشيطان أحياناً عن ابتكارها، ورغم ذلك لا يزال أغلبهم صامدين وصابرين لأنهم ببساطة يدافعون عن قضية عادلة، عن حقهم وحق أولادهم في الوجود.

العالم الظالم الذي نعيش فيه لم يتحرك قيد أنملة حقيقية لمواجهة البطش المنهجي ضد الأسرى الفلسطينيين منذ بدء النكبة عام 1948، لكن هذا العالم هب وانتفض وثار لأن جندياً إسرائيلياً تم أسره في عملية عسكرية مئة في المئة، لم يكن وسط مدنيين، لم يكن يمارس صيد السمك أو زراعة حديقة منزله، بل ترك رغد الحياة في فرنسا التي يحمل جنسيتها وجاء ليعسكر على حدود قطاع غزة ليمارس هواية إطلاق قذائف المدفعية والدبابات على أطفال فلسطين العزل على شواطئ غزة مثلما رأينا في عائلة الطفلة هدى غالية قبل حوالي أسبوعين.

 

اغتيال عائلة بكاملها قررت أن تستمع للحظات على شاطئ غزة، هو دفاع عن النفس في أعراف أميركا، قتل ألف طفل خلال الانتفاضة هي حوادث عرضية في أعراف الحرب، احتلال بلد كامل منذ العام 1948 هو مسألة لابد من حلها عبر المفاوضات حسب الأمم المتحدة، رغم كل القرارات الملزمة، أما أسر جندي في جيش للاحتلال فهو أمر جلل يهتز له العالم، ويستيقظ له قادة العالم وبينهم عرب للأسف، كي يؤمنوا إطلاق سراحه وإعادته بسلام إلى أحضان أسرته، وعندما يتأخر الأمر قليلاً تجتاح "إسرائيل" غزة مرة أخرى وتعيث فيها فساداً، تدمر الجسور ومحطات الكهرباء وتحتل المطار وتعيد الحياة مئة عام إلى الوراء، لأنها ببساطة تتعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم لا يستحقون الحياة، أو «صراصير داخل زجاجة ينبغي سحقها» كما تبجح أحد القادة الإسرائيليين قبل سنوات.

 

كل هذه البلطجة والبطش وشهوة القوة لا تبدو غريبة على هذا الكيان العنصري الدموي، والغريب هو ألا تفعل ذلك، وقد يبدو مفهوماً أيضاً هذا الانحياز الأميركي الأوروبي لصالح الصهاينة لاعتبارات كثيرة، لكن كيف نفهم سر هذه اللهفة العربية الرسمية على فك أسر الجندي الإسرائيلي من دون مقابل مثل إطلاق سراح النساء والأطفال الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية؟

 

للحظات كان يمكن للمرء أن يتفهم وجهة نظر التيار الفلسطيني الداعي لاستنفاد فرص التفاوض حتى لا يعطي للإسرائيليين وخلفهم الأميركيين ذريعة للفتك بالفلسطينيين نظراً لاختلال موازين القوى. لكن ما يجري الآن ومنذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية وتشكيلها للحكومة الفلسطينية، أوضح بما لا يدع مجالاً للشك حتى للأعمى أو الجاهل، أن الهدف الإسرائيلي بمحو كل ما هو فلسطيني هو أمر استراتيجي ثابت لا يتغير، هي تريد فقط طرفاً فلسطينيا «يبصم» لها على خطتها، طرفاً فلسطينياً يعلن أن الصراع مع العدو انتهى دون عودة الأرض والقدس، طرفاً فلسطينياً يكون بقلب صهيوني.

 

وطالما أن الأمر كذلك فلا مجال أمام الفلسطينيين سوى استمرار المقاومة، العدو يريد الفتك بالجميع، فلماذا المناكفات والخلافات؟ بل والاستقواء بالعدو أحياناً؟ .. ألا تدرك بعض البلدان العربية الرسمية أنها عندما تساعد "إسرائيل" ضد المقاومة اليوم، فسوف يأتي دورها غداً؟ المقاومة وحدها هي التي ستجبر "إسرائيل" على وقف بلطجتها وليست المفاوضات.

 

أيها الواهمون أفيقوا يرحمكم الله .. فلا وقت للعبث. إنه وقت مواجهة الصهاينة أعداء الحياة.

 

الصورة واضحة وضوح الشمس، وكما يقولون «إذا لم يكن من الموت بد فمن العيب ومن العجز أن تموت جباناً».

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع