حماس.. والرقص
مع الذئاب..!!
عادل أبو هاشم
كاتب وصحفي فلسطيني-
الرياض
في السابع من شهر كانون
أول "ديسمبر" عام 1987م تحولت حادثة الدهس المتعمدة التي تعرض لها
أربعة من العمال الفلسطينيين وأودت بحياتهم بواسطة شاحنة يقودها مستوطن
يهودي ، إلى الشرارة التي أشعلت الانتفاضة الفلسطينية ، في سائر أنحاء
الأراضي المحتلة عام 1967م.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى
ما يزيد على ستة أعوام لاحقة ، خاض الشعب الفلسطيني المنتفض والأعزل ،
واحدة من أشمل وأشد حروب الاستقلال الشعبية على امتداد القرن الماضي ،
حيث سقط آلاف الشهداء وعشرات الألوف من الجرحى وآلاف المعتقلين.
وفي نفس الوقت والظروف
ولدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وتوقع الكثيرون لهذه الحركة
الاندثار والاضمحلال ، واعتبروها مجرد حالة عابرة اعتلت أمواج
الانتفاضة لن تلبث أن تتلاشى وتزول تحت وطأة ضغوط الاحتلال وقلة
الموارد والإمكانات والازدحام الفصائلي في الساحة الفلسطينية ، ولكن
بعد ثمانية عشر عاماً من قيام حماس ، بدت هذه التوقعات مجرد فقاعات في
الهواء ، حيث تمكنت حركة حماس من مواصلة النضال ضد المحتل في ظروف صعبة
للغاية ، وصقلت الانتفاضة الفلسطينية المباركة الأولى ، وانتفاضة
الأقصى الحالية تجربة حركة حماس النضالية بصورة متميزة في سجل جهاد
الشعب الفلسطيني ، وقدمت الحركة قائمة طويلة من النماذج الفذة
والبطولات الأسطورية ، حتى غدت حماس وشهداؤها ورموزها وكتائبها عناوين
محفورة في ذاكرة الشعب الفلسطيني ، وجعلت مجموعات الإستشهاديين
القساميين الشارع الإسرائيلي يعيش حالة من الرعب والهلع على مستقبله ،
وأعادته إلى الأجواء التي سادت أيام حرب عام 1948م ، وذهبت محاولات
المبعوث الأمريكي وليام بيرنز ومن بعده جورج تينيت مدير وكالة
الإستخبارات الأمريكية (
C.I.A
) ، والجنرال أنتوني زيني لوقف الإنتفاضة وفك عرى الوحدة الوطنية
القائمة بين مختلف القوى والفصائل الفلسطينية سدى بعد أن أبدى الشعب
الفلسطيني ثباته وصموده على الأرض ، في حين أصبح زمام الأمر في الواقع
بيد الجيل الجديد من "الأساطير " الإستشهاديين الذين استرخصوا دمائهم
من أجل الحفاظ على كرامتهم وعزتهم وشعبهم ، وبات العدو الإسرائيلي الذي
استرخص الدم الفلسطيني يحسب لهم ألف حساب.
ومنذ دخول السلطة
الفلسطينية مناطق الحكم الذاتي في تموز "يوليو" 1994م ، ازدادت المطالب
الإسرائيلية على السلطة الفلسطينية لوقف العمل النضالي الفلسطيني
المتمثل في حركتي "حماس" و "الجهاد" والرافضة لخيار أوسلو ، وبات أمن
إسرائيل هماً فلسطينياً ، وأصبحت جميع الاتفاقيات الفلسطينية-
الإسرائيلية اتفاقيات أمنية هدفها الوحيد القضاء على مقاومة الإحتلال ،
وتعرض العديد من قيادات وكوادر ونشطاء الحركتين للإعتقال على أيدي رجال
الأجهزة الأمنية الفلسطينية ، وفرضت الإقامة الجبرية على الشيخ أحمد
ياسين- رحمه الله- أكثر من مرة ..!!
وفي انتفاضة الأقصى رفعت
المقاومة الفلسطينية شعار " توازن الرعب " مع العدو الإسرائيلي ، وقد
إستطاعت كتائب القسام بجانب كتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس وجميع
الفصائل المقاتلة أن تفرض هذا الشعار وتترجمه من خلال عملياتها
الإستشهادية والقتالية إلى واقع عملي يخيم على ليل العدو الصهيوني
ونهاره .
وبعد تزايد الضربات
الإستشهادية في قلب الكيان الإسرائيلي ردًا على محاولات الإبادة والقتل
والتدمير الإسرائيلي لكل ما هو فلسطيني ، حاول البعض – فلسطينياً
وعربياً ودولياً – تشويه حركة حماس إعلامياً بعد فشل القضاء عليها
عسكرياً ، بل سعى -هذا البعض- إلى خلق دائرة من الخلاف الفقهي والسياسي
والفكري حول الانتفاضة وكل ما يرتبط بها ، في محاولة يائسة في تحويل
الحديث عن الانتفاضة من غاية مشروعة للشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافه إلى
حديث حول نزع الشرعية الأخلاقية عن النضال الفلسطيني ووصفه بالإرهاب ،
ومشروعية السلطة وعدم مشروعية المقاومة والكفاح من أجل التحرر الوطني ،
حيث وصف البعض المقاومة التي تبديها حماس بالتناقض مع المصلحة
الفلسطينية العليا ، حيث أخذ العدو الإسرائيلي من هذه العمليات ذريعة
لقصف المدن الفلسطينية وتدمير مقرات ومؤسسات السلطة وتناسى- هذا البعض-
أن العمليات الإستشهادية هي الشيء الوحيد الذي أوجع الحكومة
الإسرائيلية وحلفائها ، وأوصل إلى الجميع رسالة الغضب الفلسطيني باللغة
التي يفهمونها ، وهو ما يفسر لنا إصرارهم على وصف أبطال العمليات
الإستشهادية بالإنتحاريين حينـًا ، وبالإرهابيين في أحيان أخرى كثيرة،
وذلك الإصرار ليس له إلا معنى واحد هو أنهم يريدون أن يجردوا العرب
والمسلمين من السلاح الوحيد الذي تبقى لهم للدفاع عن شرف أمتهم
وكرامتها ، لكي ينفتح الطريق لكسر إراداتهم وتركيعهم .!
ولئن كان لحركة حماس شرف
السبق في ابتكار أساليب حديثة ووسائل جديدة لمقارعة العدو الصهيوني
الغاشم ، فإن ذلك لا يعزز من مكانتها العالية في نفوس أبناء الشعب
الفلسطيني فحسب ، بل وفي نفوس كل العرب والمسلمين الذين لم تعد حركة
حماس مجهولة لديهم بعد ذلك السجل الجهادي المضيء الحافل الذي لا ينكره
إلا جاحد ، وهو الذي رفع أسهمها لدى كافة المستويات الرسمية والشعبية
على حد سواء ، وأصابت المجتمع الإسرائيلي بالذعر والتخبط حتى وصلت إلى
أعلى المستويات السياسية والعسكرية داخل الكيان الصهيوني.
وبعد فوز حركة حماس
بالانتخابات الفلسطينية التشريعية، وتوليها الحكومة الفلسطينية، تعرضت
الحركة لهجمة إعلامية غريبة من بعض "المتنفذين والمنتفعين من ذئاب
السلطة" من دعاة "ثقافة الاستسلام" تمثلت في البعض منهم في لطم الخدود
وشق الجيوب على "أوسلو" و"خريطة الطريق".!، والآخر لم ينشغل إلا
بالإلحاح على حركة حماس بالاعتراف بإسرائيل ونزع سلاح المقاومة.!
وكان المثير للدهشة
تنافس بعض "الذئاب" إلى تشويه فوز حركة حماس من خلال تقديم النصائح
التي تستهدف حصار الحركة وتوريطها، ومن ثم إفشال مهمتها بالدعوة إلى
مقاطعة حكومتها تارة، وبتسويغ وقف المعونات المالية الدولية تارة
أخرى.!
لقد وصل الأمر بهذه
الذئاب المصرة على احتكار السلطة والاستئثار بالثروة إلى الوقوف في
الصف الأول من دعاة حصار "حماس" وإفشالها، فمنهم من سارع- حتى قبل
إعلان النتائج الرسمية- إلى إعلان مقاطعة حكومتها، ومنهم من اعتبر
الالتحاق بالحكومة "عارًا" يلاحق أي "فتحاوي"، ومنهم من هدد بقتل كل من
يحاول كسر احتكار فتح لأجهزة الدولة.!
بل وصلت الوقاحة بأحدهم
إلى اتهام شعبه بـ"العلمانية" متنبئـًا بسقوط الحركة على يد هذا الشعب
العلماني بعد أشهر قليلة، وعودة حركة فتح إلى السلطة من خلال تلغيم
الطريق أمام حماس لإفشال مهمتها، ومن ثم دفع محمود عباس إلى الدعوة
لإجراء انتخابات جديدة بدعوى أن حماس لم تتمكن من النهوض بمسؤوليات
الحكم أن أنيطت بها.!
وتناغمت هذه الهجمة مع
هجمة غربية صدرت من الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل صيت
جام غضبها على "حماس" التي فازت في الانتخابات، والشعب الذي صوت لها،
في محاولة جديدة لتركيع الشعب الفلسطيني على انتخابه تنظيم كل جريمته
أنه يرفض الاعتراف بإسرائيل قبل اعترافها بدولة فلسطينية عاصمتها
القدس، وخالية من المستوطنات، وبعودة اللاجئين وإطلاق الأسرى
والمعتقلين.!
والاخطر من ذلك قيام
محمود عباس رئيس السلطة بالمشاركة في مخطط امريكي- إسرائيلي لافشال
حكومة من المفترض انها تتبع له دستوريا ويهدد باستخدام صلاحياته
الدستورية لحلها ولكنه لا يريد ذلك على الأقل في المرحلة الحالية.!
وكان أبرز دلائل هذه
المشاركة، قرار عباس في إقامة حكومة موازية بديلة للحكومة المنتخبة
التي شكلتها حركة حماس وفازت بثقة المجلس التشريعي، والتي تواجه حاليا
حصارا خانقا من قبل اسرائيل والولايات المتحدة واوروبا وبعض الدول
العربية، من خلال بعض التعيينات والمراسيم التي جردت الحكومة المنتخبة
من اي صلاحيات، ومن اتخاذ إجراءات يومية وقرارات تعسفية لسحب صلاحيات
الحكومة وحرمانها من كل الأدوات التي تمكنها من العمل والإنجاز وتوفير
حاجات المواطنين ومحاربة الفساد والفلتان الأمني، وجعلت الامن والمال
والاعلام والمعابر والسفراء والوظائف العليا بيده شخصيـًا.!
وكان آخر هذه المراسيم
تعيين روحي فتوح رئيس المجلس التشريعي السابق مبعوثا خاصا له، وكذلك
كلا من نبيل عمرو (وزير الاعلام السابق وصاحب نظرية الشعب العلماني)
وحكمت زيد (وزير زراعة سابق ايضا) ونمر حماد السفير السابق لدي ايطاليا
كمستشارين للرئيس برتبة وزير.!
الأخطر من ذلك ما يتردد
بسعي محمود عباس في جولته الحالية للحصول علي خمسين مليون دولار من
الاتحاد الاوروبي من اجل انشاء حرس رئاسي ضخم يكون تابعا له، ومجهزا
بأحدث الاسلحة والمعدات العسكرية.!
بمعني آخر يريد عباس
تأسيس قوات عسكرية بديلة لقوات الامن العام، والامن الوقائي،
والمخابرات، تكون تابعة له مباشرة، ويتولي قيادتها احد الاشخاص الموثوق
بهم من قبله شخصيا، علي ان تتولي عملية تدريبها وتسليحها خبرات غربية،
امريكية، واوروبية، في محاولة استباقية لقيام وزير الداخلية الفلسطيني
سعيد صيام تشكيل قوة عسكرية تعيد الهيبة لقوات الامن العام، وتفرض سلطة
القانون وتضع حدا لحالة الفلتان الامني، حيث كان عباس والمقربون منه
الاكثر انتقادا لهذه الخطوة باعتبارها غــير دستورية، وتشـــكل
جهـــازا بديلا لقـــوات الشـــرطة، والامن، واصدر عباس مرسوما رئاسيا
بحلها قبل تشكيلها.!
إن جميع المحاولات التي
خطط لها لتغييب حركة حماس في الماضي لم تنجح ، كما لم تنجح موجات
الاغتيالات والقتل والاستئصال والاعتقالات المتتالية لأبنائها وتدمير
بنيتها التحتية في إجهاض الحركة ، أو طمس دورها الجهادي ، وبقيت حركة
حماس على العهد الذي عهدناها به ، واستمر أبطالها الذين عرفوا بتسابقهم
للشهادة على مبدأ مقارعة العدو الصهيوني في كل الأرض الفلسطينية.
وإن ما يجري حاليـًا من
مخططات أمريكية وإسرائيلية وفلسطينية لإسقاط الحكومة التي شكلتها حركة
حماس من خلال الحصار المالي والاقتصادي، وحالة التحشيد وإثارة الفتنة
وتوسيعها من خلال بث الإشاعات التي تتحدث عن محاولات لاغتيال محمود
عباس وبعض رموز السلطة، والتعدي على الممتلكات والمؤسسات العامة
ومحاولات إرهاب وتروييع المواطنين من خلال مظاهر البلطجة والزعرنة ممن
عاثوا فسادًا وإفسادًا في الواقع الفلسطيني، وممن رتبوا رهاناتهم
بإفشال وإسقاط الحكومة، لن تنجح بإذن الله.
وإن ما تفعله طبقة
الفاسدين والمفسدين وطحالب الفساد الذين يحاولون تشويه وتلويث حركة
حماس طبقـًا للحكمة القائلة: (إذا كانت النار أتت على رؤوس الأشجار..
فماذا يمكن للطحالب أن تقول؟!) لن يزيد حركة حماس إلا إصرارًا على تحمل
مسؤولياتها، ومواصلة العمل لصالح الشعب الفلسطيني وخدمته، ومواصلة
برنامج الصمود والمقاومة والتغيير والإصلاح مهما كانت الضغوط
والعقبات.
|