الرجوب "عميد" الأمن بعد الصفعة ... عرفات : الارتداد إلى الأمام !

 

بقلم / نصر المجالي

 

قال سياسي في زمن عربي سابق "ربّ صفعة أضاعت عرشاً" ، و هذا القول أكثر انطباقاً اليوم على العقيد جبريل الرجوب ، الذي قاد أمن الضفة الغربية بيَدٍ من حديد لسبع سنوات هي عمر قيام السلطة الفلسطينية . فالصفعة التي تلقّاها الرجوب في الربيع الماضي من رئيس السلطة المحاصر في رام الله ياسر عرفات أضاعت له كلّ مجد و أنهت دوره أو كانت جميع المعطيات تشير إلى ذلك .


كانت الصفعة التي وجّهها عرفات للرجوب ، صاحب الطموح غير المحدود لخلافة "الختيار" ، سبباً مباشراً لصعود نجم الند و النظير ، العقيد القوي أمنياً في قطاع غزة محمد دحلان ، الشخصية الغامضة و صاحب علاقات أكثر غموضاً مع أطراف الحل و الربط فلسطينياً و أمريكياً و (إسرائيلياً) .

 

و رغم تباعد العقيدين فإن هنالك أرضية تجمعهما ، و هي أن كليهما سجنا لسنوات طويلة في (إسرائيل) ، إضافةً إلى القبضة الحديدية المتشابهة التي استخدماها من دون هوادة ضد شعبهما الفلسطيني حين تولت السلطة صلاحياتها .

لقد كان لإبعاد الرجوب عقيد الضفة الغربية القوي صدىً واسعاً في الضفة ذاتها ، التي كانت لا ترغب بتسليم مقاليد أمرها الأمني إلى (غزاوي) مثل دحلان ، و لقد هدّد أبناء الضفة علناً بعد إطاحة عقيدهم الأمني ابن بلدة حلحول بحرق جميع مراكز الأمن في الضفة .

 

هذا التهديد لم يلقَ أذناً صاغية من جانب الرئيس عرفات الذي أصر على تولية دحلان مقاليد جميع مؤسسات الأمن ، طمعاً في استمرار ولائه و طاعته مع إيصال رسائل متكررة بأنه و ليس الرجوب هو الخليفة المنتظر لقيادة الشعب الفلسطيني .

 

غير أن ما حصل لاحقاً أن مغامرة عرفات في إبعاد الرجوب و تقريب دحلان ، انتهت بانقلاب السحر على الساحر . فواشنطن التي كانت تراقب صراع القوى و تدفع باتجاه فرض تطبيق الإصلاحات السياسية التي جاءت بمحمود عباس رئيساً للوزراء ، طرحت العقيد دحلان ليكون الرجل صاحب الصلاحيات الواسعة ، لكونه بنظر بعض دوائر صناعة القرار الأمريكي "الوحيد القادر على إنهاء دور سيده و ليس أبو مازن الذي ظلّ يكرّر آيات الولاء للختيار على أنه صاحب السلطة و القرار أولاً و أخيراً" . و لعل الجميع يذكر أن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ، حين شارك في قمة شرم الشيخ في يونيو (حزيران) خصّ العقيد دحلان بسلام حار و مصافحة بالأيدي لم تغفل عنها كاميرات عشرات وكالات الأنباء و الفضائيات الغربية منها و العربية .

 

الواضح أن صراع القوة في داخل قصر السلطة الفلسطينية سواء المحاصر جانب منه في رام الله أو الطليق الذي يتحرّك في كل العواصم و يلتقي جميع الزعامات ، و تصاعد فصولاً في اليومين الأخيرين فيما يعتبر الرئيس ياسر عرفات أنه أحرز نقطة انتصار على "الخصم" أبو مازن مستغلاً بذلك ضعفه في ضبط الإيقاع الأمني المطلوب أمريكياً و (إسرائيلياً) للشروع عملياً في تنفيذ خريطة الطريق .

 

و إذ جاء الرئيس عرفات بالعقيد جبريل الرجوب من تحت الرماد ، مانحاً إياه رتبة العميد ليكون مستشاره للأمن القومي ، فإنه يعتقد أنه الآن قد يرضي أهل الضفة و هو المحاصر بين ظهرانيهم منذ سنتين إذ أن قطاع غزة لم يعد هو المهم في المعادلة ، و باتت الضفة وحدها هي مرتكز القرار و الفعل و رد الفعل .


لكن كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني "كلام السرايا لا يمر على أهل القرايا" ، فإن الأمريكيين و (الإسرائيليين) يرون غير ما يراه عرفات المهدّد بالطرد و الإبعاد في أيّ وقت ، و هما كانا يراهنان على دحلان للقيام بالمهمة سواء عبر انقلاب علني أو قرار سري ينهي دور "العرّاب الختيار" فجأة و مرة واحدة و إلى الأبد .

 

و يبدو أنه حتى خطة عرفات التي يدرسها الآن لإنشاء مجلس للأمن القومي لن تكون مرضية أو مقنعة للشريكين الأمريكي و (الإسرائيلي) اللذين يفكّران ملياً باستبدال محمود عباس نفسه في وقت قريب برجل أقرب إلى الإصلاح و أبعد عن الفساد و أكثر خبرة في اتخاذ القرارات الراديكالية الاقتصادية مع انفتاح شديد و هو سلام فياض .

 

و بالطبع فإن سلام فياض وزير المال الحالي في عرف واشنطن لن يعمل وحيداً ، و لن يتسنىّ له ذلك إلا بوجود رجل قوي بصلاحيات أوسع ، هذا الرجل هو العقيد محمد دحلان ، الذي أصبح من دون شك أكثر خبرة و دراية في التعاطي ليس أمنياً و لكن سياسياً مع أطراف كثيرة .

 

لقد استغل عرفات تفجير الحافلة في القدس الأسبوع الماضي ، و اغتيال إسماعيل أبو شنب ، الرجل الثالث في حماس ، ليوعِز إلى اللجنة المركزية لحركة (فتح) و هي الحزب القوي الحاكم لاتخاذ قرار بمنح اللواء نصر يوسف صلاحيات تعادل صلاحيات وزير الداخلية .

 

و خلال أربع و عشرين ساعة كانت عصيبة على عرفات ، زادته حصاراً فوق حصاره ، فإنه تراجع مغفلاً قرار اللجنة المركزية في شأن اللواء يوسف ، حيث تذكّر فجأة أنه لم يعدْ للمركزية دور في قرارات الحكومة بموافقة من المجلس التشريعي ، لذلك فإنه ارتد إلى الأمام باختيار العقيد "المصفوع" جبريل الرجوب ليكون رجل مرحلته .

 

عرفات في قرارة نفسه يعرف أن الرجوب ، كما تقول معلومات كثيرة و متواترة ، لم يعد قادراً على اتخاذ قرارات مهمة أو صدامية بسبب مرضه ، بالإضافة إلى خلفية لا تشجّع كثيرين على التعامل معه ، الأمر الذي يمنعه عن ملء الموقع الذي يستطيع من خلاله انتزاع الثأر للختيار من "حكومة الإصلاحيين برجلها القوي محمد دحلان"

 

 

 

الى صفحة القائمة السوداء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع