18 حزيران 2004
من قريع الى عريق
بقلم: حمدي فراج *
ليس مهما (كثيرا) ان كانت اسرائيل ستفرغ من حفر الخندق المائي (فلادلفي) على الحدود المصرية مع غزة في غضون سنوات او أشهر، لكي يتم شارون انسحابه من طرف واحد خلال العام القادم، فالمواعيد ليست مقدسة، كما كان قد قال شريكنا الراحل في سلام الشجعان اسحق رابين، فما بالكم بشارون .... المهم ان ما اطلقوا عليه الخندق المائي هو بمثابة قناة صغيرة، عمقها سيصل الى خمسة وعشرين مترا، وطولها سيناهز اربعة كيلو مترات، اما عرضها فقد ظل في حكم الأسرار العسكرية، لأنه سيأخذ معه العديد من المنازل الفلسطينية، وفي هذا لا يضير، فالقناة التي ستكلف ملايين الدولارات، لا بأس ان يضاف اليها بعض الملاليم لتعوض المواطنين الفلسطينيين، فهؤلاء ليسوا في النتيجة مستوطنون يتم تعويضهم بعشرات ان لم يكن بمئات الملايين.
الدكتور صائب عريقات ، اكتشف بيسر وسهولة، شأننا كلنا، ممن لا صوت لهم في ظل صوت مبارك عرفات، ان القناة الجديدة هي بمثابة سجن رسمي جديد يعزل غزة أكثر مما هي معزولة، ويخنقها اكثر مما هي مخنوقة ويفقرها اكثر من الفقر الذي تعاني منه، ويبئسها اكثر مما هي مبتئسة، وهذه ليست هي المشكلة بالطبع، فهذا التشخيص صحيح، بل ان الدكتور عريعات يذهب أبعد من ذلك في ألمعيته المعهودة ، حين يشبه القناة الجديدة في غزة بالجدار العازل في الضفة، لكن المشكلة تكمن في العلاج.
.... وللجدار قصته كما نعرف، فعدا عن ان مسؤولين كبار في السلطة شاركوا في تمويله، او بالأدق تطعيمه بالاسمنت المصري -ليس صدفة انه مصري- فان مفاوضي السلطة في شهر العسل الذي سبق اندلاع الانتفاضة، دشنوه وباركوه، حين وقعوا على ما اسمي في حينه بالطرق الالتفافية، هذه الطرق التي رسى علينا تنفيذها من حيث الهندسة والانشاءات والمقاولات والتعبيد وكل ما يلزم.
اذكر ان وزيرا قال في معرض تعقيبه على احد معارضيها: اننا نريد من اسرائيل فقط ان لا تمنعنا من السير عليها. ... الطرق الالتفافية تلك، لم تكن الا بروفة الجدار .... والخندق ايضا.
السيد احمد قريع رئيس وزراء السلطة يعلن في مصر، انه لا تحفظات فلسطينية بشأن الدور المصري الذي (ستلعبه) في غزة، هل يعتقد واحد احد ان القناة – الخندق جاء بمعزل عن القيادة المصرية؟ وهل يعتقد احد ان مصر مبارك قادرة ان تقول لا لاسرائيل؟ وهل يعتقد احد ان عرفات وقريع بامكانهما ان يقولا لا لمبارك وهو الرئيس المبارك؟
يبقى الدكتور عريقات الذي يشخص بشكل صحيح وصائب، حينها يكون صائب عريقات الذي عرفناه وخبرناه ألمعيا، وفي العلاج والتخريج نراه متساوقا مع قريع، ليصبح عريق بدلا من عريقات. لأنه بدوره لن يكون بمقدوره ان يقول لا لعرفات وقريع.
في الحقبة القادمة ستوفر القناة على اي حكومة اسرائلية جديدة تحقيق حلم رابين – شريكنا في سلام الشجعان – لتأخذ اهل غزة بدلا من البحر، فهي على صغرها قادرة على استيعاب مليون غزي في جوفها ليستريح الجميع منها ومنهم ...
* كاتب صحفي فلسطيني يقيم في مخيم الدهيشة – بيت لحم