مقابلة فاروق القدومي18/9/2004
أملك ملفاً ممتلئا بحكايات الفساد وأنا مسؤول عن رصد الإختراقات
القدومي لـ"العرب": يجب اخضاع مسؤولي السلطة لقانون من أين لك هذا..؟!
ـ حافظ البرغوثي سرق الملايين واختلس ثمن مطبعة فرقاه عرفات وكيلا مساعداً لوزارة الثقافة ويتقاضى راتبين
ـ سلام فياض استأنف تحويل رواتب العاملين في الدائرة السياسية والسفارات الفلسطينية.. أدرك دور منظمة التحرير
ـ دحلان هاجمني أنا وعرفات وهو في ضيافة القذافي.. التنظيم قدم تقريرا بتفاصيل لقائه مع الكوادر
ـ أرفض انعقاد المؤتمر العام في حضن الإحتلال وأحضره إذا انعقد في غزة بعد الإنسحاب الإسرائيلي
حاوره في عمان: شاكر الجوهري
بدا مصراً على فرز اوراق الإصلاحيين الحقيقيين عن اوراق تيار الإصلاح الفاسد، حيث وجه اتهامات صريحة للعقيد محمد دحلان بالفساد، ولم ينف تورط ياسر عرفات رئيس السلطة في هذا الفساد..!
ويؤكد فاروق القدومي، رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وزير خارجية فلسطين، امتلاكه ملفا ممتلئا بحكايات وروايات الفساد في السلطة الفلسطينية. ويقول أنه أبلغ بفحوى تقارير لهيئة الرقابة الفلسطينية التي يرئسها جرار القدوة، وهو خال عرفات، تدين عبد الحفيظ نوفل يتوقيع اذونات استيراد الإسمنت المصري لجدار العزل والنهب الإسرائيلي، وتدين حافظ البرغوثي رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"، باختلاس ملايين الدنانير، فكان أن كافأهما عرفات بتعيين الأول وكيلاً مساعداً لوزارة الإقتصاد، والثاني وكيلا مساعداً لوزارة الثقافة، ما يتيح له تقاضي راتبين نظير دفاعه عن شخص الرئيس..!
ويتحول القدومي في هذا الحوار عن نقد الدكتور سلام فياض وزير المالية في السلطة الفلسطينية إلى الإشادة بالإصلاحات التي احدثها، حيث أصبح هناك للسلطة موازنة عامة تقر من قبل المجلس التشريعي. ويكشف عن أن فياض استأنف تحويل رواتب العاملين في الدائرة السياسية والسفارات الفلسطينية، ودوائر منظمة التحرير الأخرى في الخارج.
القدومي يكشف كذلك عن أن قيادة "فتح" تلقت تقريرا من التنظيم في ليبيا يتضمن تفاصيل اللقاء الذي عقده دحلان مع كوادر جميع الفصائل الفلسطينية أثناء تلبيته دعوة شخصية من العقيد معمر القذافي. ويقول التقرير إن دحلان هاجم عرفات بشدة في ذلك اللقاء الذي أعقب مصالحته للرئيس في رام الله، وقرار اللجنة المركزية بتشكيل لجنة تحقيق معه على خلفية مسؤوليته عن احداث غزة الأخيرة، والتصريحات التي اطلقها خلال الأزمة.
ويرفض القدومي بشدة انعقاد المؤتمر العام السادس لحركة "فتح" في حضن الإحتلال داخل الأراضي الفلسطينية، ويوافق على عقده في غزة بعد الإنسحاب الإسرائيلي.. مؤكداً أنه سيدخل الأراضي الفلسطينية في هذه الحالة، لأول مرة منذ توقيع اوسلو وقيام السلطة الفلسطينية.
هنا نص الحوار:
· بعد مضي وقت طويل لم تصدروا خلاله تعميمات تنظيمية بصفتكم أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح"، عدتم لإصدار عدد من التعميمات التنظيمية، اطلعنا على بعضها، ولم نطلع على البعض الآخر.
هل تضعنا بداية في صورة التعميمات التي صدرت عنكم..؟
ـ صدرت هذه التعميمات لمناسبة الدعوة التي بدأ يدعو إليها بعض الأشخاص في مرحلة كان من المفروض أن لا تظهر فيها مثل هذه الدعوات للإصلاح. ومن المؤسف أن الذين دعوا للإصلاح هم الفاسدون بشكل واضح.
· هم فاسدون، أم هم الفاسدون..؟!
ـ بل هم فاسدون، لأن الفساد لا يقتصر فقط عليهم.
ولأن الشعب الفلسطيني الذي يعيش فترة من اسوأ الفترات في حياته، والمليئة بالمعاناة والفقر والبطالة، كان لا بد من التوضيح أن من يدعو للإصلاح في مرحلة صدرت فيها قرار الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية، بشأن جدار العزل والنهب الإسرائيلي، الذي (القرار) يعتبر انجازا فلسطينيا سياسيا حاصر اسرائيل ووضعها في قالب عنصري، ومهدد للسلام، ولا يلبي أو يتبع القانون الدولي، إنما أراد هذا الطرف، وهدف إلى التغطية على هذا الإنجاز الفلسطيني، الذي وقف العالم جميعه، بما في ذلك الدول الأوروبية، موقفا مساندا لقرار محكمة العدل الدولية، الذي نص على أن اسرائيل تقوم بأعمال مناقضة للقانون الدولي، أي أنها دولة مارقة، لا بد من فرض العقوبات عليها. وقد دعا القرار دول العالم الأخرى لاتخاذ اجراءات ضد اسرائيل.
ثم ما هو الإصلاح الذي تطالب به هذه الفئة..؟
إذا كان الإصلاح المقصود يتعلق بجملة أنظمة وقوانين، فإنه بالإمكان التعامل مع هذه الأنظمة والقوانين، ولكن دعاة الإصلاح يريدون الحصول على المناصب العليا، بعد أن اغتنوا وملئت جيوبهم بأموال الدعم للشعب الفلسطيني ظلماً وجوراً، وذلك جراء التسيب المالي الذي ساد وانتشر بعد الدخول إلى الأراضي الفلسطينية (عقب توقيع اتفاقيات اوسلو). فكان كل مسؤول من هؤلاء الذين يطالبون بالإصلاح، يجمع الأموال لصالحه، على المعابر، أو من خلال بيع الرمل والحصى، واحتكار تجارة الإسمنت والنفط والسجائر والدقيق. لقد احتكروا التجارة في 14 سلعة ضرورية واساسية للشعب، وفرض عليها زيادة في الأسعار، وكذلك الضرائب. وكانت الجهات التي تقوم بهذا التلاعب هي الإدارات المسؤولة في السلطة.
اصلاحات فياض
· يقال أن كل هذا كان يحدث بعلم الرئيس ياسر عرفات..؟
ـ في حقيقة الأمر أنني لا استطيع القول أن ذلك كان يحدث بعلم الرئيس أو بدون علمه، أو أنه كان قادراً على وقف هذه التجاوزات.
وقد بقي الحال هكذا إلى أن عين الدكتور سلام فياض وزيراً للمالية، حيث وضع موازنة للسلطة، اقرها المجلس التشريعي. وهذه خطوة جيدة، بدأت بنود الموازنة بموجبها تصرف على الجهات المخصصة لها، وإن كان للوزير في بداية عهده بالوزارة تحفظات كثيرة على الدوائر الموجودة خارج الأرض المحتلة، وكأن أموال الموازنة مرصودة فقط للدوائر الموجودة في الداخل. وبغض النظر عن ذلك، فقد صححت كل هذه الأمور، وأصبح الأمر ساريا بالنسبة للرواتب. فلا يجوز أن توزع الرواتب على القيادات لتتولى توزيعها على الأفراد، وإنما يجب أن يصرف كل راتب لمستحقه، سواء كان شرطيا أو رجل أمن أو غيره من خلال رقم حساب خاص به لدى أحد البنوك. وهذا اصلاح.
· ولكن الدكتور فياض كان اوقف صرف موازنة الدائرة السياسية لمنظمة التحرير ما جعلكم تتهمونه في رسالة شهيرة وجهتموها للرئيس عرفات بأنه " قرضاي فلسطين".. هل حلت الأزمة..؟
ـ الحقيقة أن هذه الأزمة قد حلت. وقد شرحت للأخ سلام فياض أن الدائرة السياسية جزء اساسي من بنيان منظمة التحرير الفلسطينية، وأن المنظمة هي المرجعية الأساسية السياسية والتشريعية للسلطة الفلسطينية. وأن الوزارة الفلسطينية اسميت وزارة تجاوزا، وأن الوزراء اسموا بالوزراء كذلك تجاوزاً، لأن النصوص في اتفاقية اوسلو لم تذكر هذه الأسماء. حتى أن كلمة الوطنية غير مذكورة في اتفاقيات اوسلو كصفة للسلطة، ولم تعترف بها اسرائيل طبقا للمادة السادسة التي تقول أنه من حق منظمة التحرير الفلسطينية أن تتفاوض مع اسرائيل، وأن توقع الإتفاقيات.. أي أن من ينتمون للسلطة ليس لهم الحق بالتفاوض أو توقيع الإتفاقيات. بصفته مستجداًَ، شرحت له كل هذا.
· أين التقيت الوزير فياض حين شرحت له ذلك..؟
ـ لم التقه، لقد شرحت له ذلك عبر المراسلات، وأعتقد أنه طابت نفسيته، وهو الآن في وارد تنفيذ ما اتفقنا عليه ويشمل الدائرة السياسية، التي هي وزارة الخارجية، والسفارات الفلسطينية. ولا يوجد شيء في السلطة اسمه وزارة خارجية، لقد اسميت بوزارة الشؤون الخارجية اعتباطا، وهذا خطأ اقترفته السلطة الفلسطينية، ولا يجوز أن يقال أن هناك وزارة خارجية في السلطة. وزارة الشؤون الخارجية يمكن أن تكون مختصة بإجراء المفاوضات، لكن المجلس الوطني الفلسطيني سبق له أن انتخب وزيراً للخارجية هو فاروق القدومي، وذلك حين انتخب الأخ ياسر عرفات رئيسا للحكومة الفلسطينية.
· إذاً، فقد استؤنف صرف رواتب العاملين في الدائرة السياسية والسفارات..؟
ـ نعم.. تصرف.
مكافأة الفاسدين
· قلت قبل قليل أنك لست واثقا مما إذا كان الرئيس عرفات يعرف أو لا يعرف بحالات الفساد التي حدثت، وأنك لست واثقا مما إذا كان يستطيع أن يمنعها. ولكن لدينا حالتين محددتين كافأ فيهما الرئيس عرفات من ادينا بالفساد.. عبد الحفيظ نوفل مدير عام وزارة الإقتصاد الذي ادانته لجنة التحقيق المنبثقة عن المجلس التشريعي بتوقيع اذونات استيراد الإسمنت المصري للجدار الإسرائيلي، كما ادانه تقرير هيئة الرقابة بذات التهمة، فكان أن رقاه عرفات وكيلا مساعدا لذات الوزارة، وكذلك حافظ البرغوثي رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة" الذي ادانه تقرير هيئة الرقابة على مدى 37 صفحة باختلاسات عديدة تقدر بملايين الدنانير الأردنية، فضلا عن مخالفته القانون لجهة تقاضيه راتب مدير عام من وزارة الثقافة، فقرر عرفات ترقيته هو الآخر إلى وكيل مساعد لذات الوزارة، التي لا يداوم فيها أصلاً..
الرئيس هنا يكافىء الفاسدين ولا يكتفي بعدم معاقبتهم..؟
ـ لقد ابلغت بفحوى هذه التقارير، لكنني للأسف لم استلم نسخا منها. وكنت أتمنى أن تصلني لأعلن بكل وضوح وصراحة ضرورة معاقبة جميع المتورطين بغض النظر عن مناصبهم.
· هل لديك شكوك في احتمال أن يكون ما وصلك من معلومات حول فحوى هذه التقارير غير صحيح..؟
ـ هنالك روايات عديدة عن الفساد الذي تتناوله هذه التقرير، خاصة ما يتعلق منه بقضية الإسمنت وشراء مطبعة لجريدة "الحياة الجديدة" بمبلغ نصف مليون دينار أردني، باعتبارها مطبعة جديدة اشرف على شرائها من لندن حافظ البرغوثي دون ابراز مستندات قانونية لعملية الشراء، ثم تبين أن المطبعة لم تكن جديدة، بل مستعملة، وأن الشركة التي قيل أنه تم الشراء منها، تنفي أن تكون هي من باع المطبعة.
وأريد أن أقول بكل صراحة ووضوح أن لدي ملفا مليئا بمثل هذه الروايات عن الفساد في السلطة، وأريد أن اؤكد أن مظاهر الفساد موجودة، وعامة.. هنالك من بنى بيوتا فاخرة، وامتلك السيارات الفارهة والفاخرة، وهنالك الذين باعوا واشتروا.. كل هؤلاء ساعدتهم اسرائيل على ذلك بشكل واضح. وقد اعترف الأخ أبو عمار في آخر خطاب له امام المجلس التشريعي بوجود فساد، وبضرورة اصلاحه.
· هل تصلكم عادة التقارير الصادرة عن هيئة الرقابة الفلسطينية..؟
ـ لا. لا تصلني هذه التقارير بشكل رسمي عادة، لكن هناك من يطلعني على فحواها بشكل شخصي.
· هل يتعمدون اخفاء هذه التقارير عنك..؟
ـ لا يرسلوها إلي.
· لكن فيما يتعلق بالفاسدين الذين رفعوا شعارات الإصلاح، فوجئنا بتصريح ينسب إليك تقول فيه إن محمد دحلان ولدنا وهو من قادة الثورة.. هل صدر عنك مثل هذا التصريح..؟
ـ محمد دحلان ولدنا، وهذا صحيح، لكنه الولد الضال، ضل عندما دعا إلى الإصلاح، وهو يختلس الأموال، وربما من المستحسن أن تسأل السلطة الوطنية الفلسطينية من اغتنى من بين العاملين في مؤسساتها: من أين لكم هذا..؟! لقد اقدمت اسرائيل على مثل هذه التجربة، فلم لا نقتدي بها، ونسأل المتخمين بأموال الشعب الفلسطيني: من أين لكم هذا..؟
الولد الضال
· يقال أن تصريحك بشأن دحلان أدى إلى عتب الرئيس عرفات عليك. هل فاتحك بهذا..؟
ـ لا. لم يحدثن بهذا الشأن. لم العتب..؟ أنت تعرف أن أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" هو صاحب ميزان دقيق في العمل السياسي والتنظيمي، ولذلك فأنا مسؤول عن رصد كل الإختراقات التي تحدث، ولا بد أن أقول الحقيقة، وهذا ما فعلته في كل التقارير التي اقدمها للجنة المركزية، حيث كنت أشير إلى العيوب الموجودة في التنظيم أو في الممارسة.
· ما الذي جعلك تلتقي دحلان في القاهرة. هل طلب المصريون ذلك منك..؟
ـ ليست لي علاقة بالإخوة المصريين، ولم يطلبوا مني ذلك، ولم ألتق دحلان في غرفة مغلقة. لقد دعاني السفير الفلسطيني إلى غداء، وكان دحلان أحد المدعوين إلى جانب مدعوين فلسطينيين ومصريين احدهم رفعت السعيد أمين عام حزب التجمع الوحدوي. ولم يدر أي حديث بيني وبين دحلان في أي قضية.
· صدر قرار عن اللجنة المركزية للحركة بتشكيل لجنة تحقيق مع دحلان بشأن احداث غزة وما رافقها من تصريحات أدلى بها دحلان. ما آلية تنفيذ هذا القرار..؟
ـ ابغت أن الأخوة اعضاء المركزية في الداخل اتخذوا هذا القرار، وهذا أمر راجع لهم في الداخل. ولا بد من تنفيذ هذا القرار حفظا للعدالة.
· ألا ترى أن هناك تناقضاً بين قرار اللجنة المركزية ومصالحة عرفات لدحلان قبيل صدور القرار، ثم اصرار عرفات على أن تكون لجنة التحقيق برئاسته هو، وهذا يعني أنه لا يريد معاقبة دحلان..؟
ـ اولا بالنسبة لعملية المصالحة، فإن دحلان زار أبو عمار من خلال وساطات معينة من قبل رئيس المجلس التشريعي. وكما فهمت أنه لم يجر أي حديث بينهما حول موضوع احداث غزة وتصريحات دحلان فقط كانت هناك مقابلة.
تقرير من ليبيا
· من الذي ارسل إذا دحلان إلى ليبيا إن لم يكن تصالح مع الرئيس وكلف بهذه الزيارة. وتفيد معلوماتنا أنه التقى مع كوادر الفصائل الفلسطينية في ليبيا ومارس تحريضا علنيا على عرفات وقيادات فلسطينية أنت من بينها، وذلك بعد صدور قرار اللجنة المركزية بالتحقيق معه..؟
ـ الحقيقة أن دحلان ذهب إلى ليبيا بدعوة من الأخ معمر القذافي، لمقابلته. وصحيح أنه جمع هناك كوادر جميع الفصائل الفلسطينية وقدم امامها عرضاً لمطالبه بالإصلاح، تعرض فيه للأخ أبو عمار، وإلى سلوكه، كما تعرض فيه لي بشكل معين. كما تعرض لبعض القضايا التي حصلت وأخذ فيها فلان وعلان من الناس اموالا، وان هناك تعيينات تجري لأناس فاسدين. كل هذه القضايا تحدث عنها دحلان، وقدم تنظيم "فتح" في ليبيا" تقريراً حول هذا اللقاء.
· ما الذي قاله التقرير..؟
ـ تناول هجوم دحلان على الأخ أبو عمار ووصفه بأنه هو الذي يحمي الفاسدين، وهو الذي يعينهم. واتهمي بأنني لا أريد الإصلاح، وكأنما أنا موافق على مظاهر الفساد في الداخل.
· يبدو أنه كان يرد بذلك على التعميم الذي اصدرته بشأن الفساد..؟
ـ ربما.
· لقد اصدرت تعميمات أخرى.. ماذا تناولت هذه التعميمات..؟
ـ عندما اندلعت المشكلة في غزة بادرت للإتصال بكل الفرقاء.. دحلان، وموسى عرفات، وابلغتهما أننا نرفض رفضا قاطعاً أن يكون هناك صدام بالسلاح. وأنه لا يجوز مطلقاً أن يهاجم بعضنا بعضا. وأشرت إلى قضية الفضائيات قائلا أنه لا يجوز أن نستمر بالحديث عن اوضاعنا وخلافاتنا الداخلية عبر الفضائيات. وقلت بكل صراحة ووضوح أننا نعرف إن الإحتلال هو سبب الكثير من مظاهر الفساد، لكننا وقعنا أيضا في خطأ المفاسد.
هناك مسؤولون وقعوا للأسف الشديد في حفرة المفاسد، ولا نستطيع أن ننكر الآن وجود فساد وفاسدين، خاصة لجهة نهب الأموال وبناء العمارات وشراء السيارات الفارهة.
عطايا الرئيس
· يقال أن السيارات الفارهة لا تشترى، بل توزع هبات وعطايا من قبل الرئيس..؟
ـ نعم. أما نحن فنستأجر سيارة، أو نطلبها من أحد الإخوة.
حين توزع كل هذه الهدايا والعطايا، ما هو موقف الجهات المانحة.. الإتحاد الأوروبي تحديداً الذي كان انذر أنه سيتوقف اعتباراً من آذار/مارس الماضي عن دفع رواتب العاملين في السلطة، ما لم يتم ضبط صرف الأموال التي يتبرع بها، فإذا بهذه الأموال تتحول إلى عطايا ومكافآت وسيارات وفلل وشقق..الخ.. تقدم للفاسدين بالذات..؟
ـ لقد هددنا الإتحاد الأوروبي بعد فترة من الزمن اعقبت نقل "البكدار" من الخارج إلى الداخل من أنه لا بد من وجود موازنة عامة يتحدد فيها ما يردنا وكيفية انفاقه، وما هي حاجاتنا. وكرر ذلك التهديد لسنوات متعددة. لكن، مع الأسف الشديد أن هذه التريبات لم تتم في الزمن الذي كنت فيه مسؤولاً عن "البكدار"، كان كل شيء منظما في الداخل والخارج. لكن هذا لا يعجب الكثير من الناس. ولهذا السبب، نقل "البكدار" إلى الداخل بشكل اعتباطي، وبهدف اخضاع المشاريع التي ينفذها "البكدار" للتنسيق مع الإسرائيليين، حيث كان التنسيق يشمل جميع اوجه النشاط الفلسطيني، وكانت تسير الدوريات المشتركة بين اجهزة الأمن الفلسطينية المتعددة وجيش الإحتلال. في ذلك الزمن لم تكن أجهزة الأمن الفلسطيني تشتبك مع جيش الإحتلال، إذ كان ذلك يقتصر على الكتائب المسلحة التابعة لجميع الفصائل الفلسطينية. وقد أدت الدوريات المشتركة والتنسيق إلى ازالة شيء من الحاجز النفسي الذي يفصلنا عن العدو. وكنا نقول بوجوب بقاء الحاجز النفسي، حتى لا يكون هناك تطبيع. ولذلك كنت أرجو دول الجامعة العربية ألا تعترف بإسرائيل، وأن لا تطبع العلاقات. وكنت اقول لهم إذا كانت مصالحكم الوطنية تفرض ذلك فلا تعلقوها على الشماعة الفلسطينية.
لهذا، منذ البداية كان هناك أناس لا يعرفون طبائع الإسرائيليين الذين احتلوا بلادنا، ولذلك كان حسن النوايا هو السائد في التصرفات الفلسطينية في الداخل. وفي المقابل كان هناك فلسطينيون رفضوا أن يمدوا أيديهم لمصافحة الإسرائيليين ما داموا يحتلون بلادهم. هذا شيء أساسي، ولذلك خلقت حالة من الإرباك لدى الشعب: هل هؤلاء الذين ننسق معهم اعداء أم اصدقاء..؟!
عندما جاءت حكومة شارون، وبدأ يقصف الأراضي الفلسطينية والمواطنين الفلسطينيين، لم يستوعب المواطن الفلسطيني ما تقوم به اسرائيل..!
أين هي الإتفاقيات التي وقعت..؟ أين هو التنسيق..؟ أين هم الشرطة والأمن والأمن الوقائي الذين أقر بوجودهم اسحاق رابين..؟ إنهم يقتلون ويسجنون..!
نقل "البكدار"
أنت كيف استوعبت نقل "البكدار" من الخارج إلى الداخل وتولى عرفات رئاسته بدلاً عنك..؟
ـ لقد انفرط عقد مجلس محافظي "البكدار" بعد نقله للداخل، ولم يبق غير عضو واحد من اعضاء المجلس هو د. محمد شتيه، الذي يتولى مسؤولية تنفيذ المشاريع التي سبق أن اقررناها، قبل الإنتقال للداخل. ثم قسمت مهام مجلس المحافظين على وزارات مثل الإقتصاد والصناعة وغيرها.
· وماذا عن المنح الدولية التي كانت تأتي إلى "بكدار"..؟
ـ توقفت هذه المنح.. اوقفتها الدول المانحة، وجلها اوروبية، وأصبحت تأتي عبر طرق أخرى، وليس من خلال "البكدار".
"البكدار" تولى تنفيذ ما تم اقراره في الماضي، ثم كانت هناك وزارة للمالية، وأخرى للإقتصاد والصناعة والزراعة..الخ.. وخصصت لهذه الوزارات موازنات معينة.
· كم كان حجم موازنة "بكدار"..؟
ـ قرر المانحون في تشرين أول/اكتوبر 1993 دفع مليار و400 مليون دولار لـ"بكدار".
· كما دفع منها فعلاً..؟
ـ كلها دفعت، لكن البنك الدولي كان يأخذ نسبة كبيرة من هذه الأموال تتراوح بين 27% ـ 37% من هذه الأموال.
· لماذا..؟
ـ بدل اعداد دراسات، وتكاليف لجان التحقيق التي كانت تأتي، وكلف الخبراء الذين يتم تعيينهم، سواء اكانوا خبراء ماليين أو صناعيين أو زراعيين.
· نقل "بكدار" من الخارج إلى الداخل، ألم يكن قضية فساد كبرى في حينه..؟!
ـ بالفعل أنها كانت غلطة رئيسية، لأنه كانت هناك رقابة، وكان هنالك مجلس محافظين يشرف على العمل.
· من ارتكب هذه الغلطة..؟
ـ الأخ أبو عمار هو الذي قرر نقل "بكدار" من الخارج إلى الداخل.
· إذا هو خطأ أبو عمار..؟
ـ هذا مما لا شك فيه، وقد قلت له ذلك.
· هل اعترف بمسؤوليته عن هذا الخطأ..؟
ـ إنه لا يعترف. يقول إنه وزع صلاحيات "بكدار" على الوزارات. وهو مؤخراً اعترف بوجود اخطاء للسلطة، لكنه لم يقل لنا ما هي هذه الأخطاء.
· كما أنه لم يبدأ بإصلاح هذه الأخطاء..؟
ـ أعتقد أنه بدأ يدرك حقيقة الأخطاء التي ارتكبت بعد أن أصبح محاصراً داخل سجن. وهو الآن يمسك بيده مفتاحاً هاما جداً حتى لا يتدهور الوضع.
المؤتمر العام
· كأمين سر للجنة المركزية لحركة "فتح"، ما هي معلوماتك بشأن الإستعدادات الجارية لانعقاد المؤتمر العام المقبل للحركة، وقد بدء بإجراء الانتخابات القاعدية تحضيرا له..؟
ـ أنا من الذين يرفضون رفضا قاطعاً انعقاد مؤتمر عام للحركة في الداخل.
· لماذا..؟
ـ أنا أرفض انعقاد مؤتمر حركتنا العام في احضان الإحتلال الإسرائيلي. ولا يجوز ذلك مطلقاَ. نحن الآن في مرحلة الثورة والإنتفاضة، وسبق أن قلت للكثير من المستثمرين مثل البنك العربي وصبيح المصري وغيرهما ليست هناك الآن تنمية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، لأننا في مرحلة ثورة. سوف لا يسمحوا لنا أن نحول فلسطين إلى سنغافورة. وبالفعل، فقد دمرت المصانع والمزارع والأشجار، وخسر هؤلاء الإخوة الذين ارادوا بحسن نواياهم أن يخدموا وطنهم، كما يقولون. ولم يستمعوا إلي، وأنا رجل اقتصادي. قلت لهم هذا، لكن الطمع المالي كان الأساس في اتخاذهم لقراراتهم، ولكي يبنوا مصانع ومزارع.
هذه حقيقة يجب أن يعرفوها لأنهم كانوا يقولون أن أبو لطف يريد أن يسير الأمور في الداخل بواسطة "الريموت كونترول". فثبت أن أبو لطف كان على حق، وخسروا اموالهم.
ارادت اميركا أن تنشيء لنا شركة هاتف ارضي، وننتهي من شركة "بيزك" الإسرائيلية لكن رؤوس الأموال الفلسطينية ـ بكل أسف ـ جاءت وشاركت شركة بيزك..!
على كل حال، هذا حديث يطول، ولكن لا بد أن نشير إليه في معرض الحديث عن الفساد.
· أنت ضد عقد المؤتمر العام في الداخل. ما هو البديل الذي تقترحه..؟
ـ البديل هو عقد المؤتمر العام في الخارج، لكن الزمن غير موات. إذا خرج الإسرائيليون من غزة، يمكن عقد المؤتمر في غزة.
· هل تذهب أنت في هذه الحالة إلى غزة..؟
ـ نعم أذهب، ما دامت منطقة محررة.
· قبل ذلك لم يكن هنالك اسرائيليون ولم تذهب..؟
ـ لا. كانوا. لن اسمح لنفسي أن يوافق الإسرائيليون على دخولي إلى وطني. أريد أن ادخل بموافقة فلسطيني على الحدود. وليس بموافقة اللعين شارون.
· آخر استقالات أبو علاء، ما اخبارها..؟
ـ أبو علاء رجل ذكي، وهو القادر بمرونته المعروفة على أن يتعامل مع الأخ أبو عمار، الذي هو في حالة نفسية تستدعي الحفاظ على معنوياته. ولا بد من الحفاظ على الموقف الذي يقفه. وأبو علاء، بما عرف عنه من مرونة، يستطيع أن يفعل ذلك.
من بين قضايا الخلافات بينهما قضية الأنظمة، التي لا بد من أن يوقعها أخي أبو عمار.
· تعني القوانين..؟
ـ القوانين والأنظمة. وقد اقترحت أن يوقعها بشكل استثنائي، بحيث تكون خاضعة لموافقة المجلس الوطني الفلسطيني، لأنه لا يمكن أن يكون هناك قوانين أو أنظمة دون أن يقرها المجلس الوطني، أو المجلس المركزي. ولذلك يكون العمل بهذه القوانين والأنظمة مؤقتا. ويقوم الأخ أبو عمار بصفته رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ورئيسا للسلطة الفلسطينية بالموافقة على هذه القوانين والأنظمة، إلى أن يتم اقرارها بشكل نهائي من قبل المجلس الوطني الفلسطيني لدى أول اجتماع له.