كلمة  سري نسيبة خلال حفل تسليم ياسر عرفات الدكتوراة الفخرية من جامعة القدس!
 

سيادة الرئيس ياسر عرفات حفظه الله:


منذ أن أبصرت عيناك هول المصاب، فديت بنفسك للقضية، ولما ينوف عن أربعين عاماً، دفعت بنفسك الى صفوف المواجهة الأمامية، وقدت شعبك في تيه الصحراء المترامية، في خضم الكاسرات العاصفة، لملمت اشلاءه المتمزقة المتناثرة، مددت بيديك الى الاعمال، فأمسكت بهويته الضائعة الغارقة، وانتزعتها انتزاعاً من جوف الهاوية، فنفخت فيها روحاً نضالية أنقذتها من الضياع، ثم عدت بها الى سطح الارض السياسية، ومن على هذه الارض، ومن جوف الكهوف، ومن على صخور الوديان، ومن بين نتئات التضاريس الضارية، اعتمرتها كوفية، فتجسّدت فيها وتجسّدت فيك، وفجرتها ثورة، فانتصبت كالجبابرة، تارة متصدية لمؤامرات التمييع، وتارة لطغيان التطويع، وفرضتها فرضاً على تضاريس الدبلوماسية، استرددت لها وللأمة من حولها كرامة، من فوقة بندقية مستلحمة، وكنت مع ذلك أول من رفع غصن زيتون بلادنا، فاستصرخت ضمائر الأمم ان لا يسقطوه، فهذه روحنا الوطنية، انما تسعى للانعتاق من ظلم نكبها ثم نكسها، تسعى لاستنشاق الحرية، وللعيش بكرامة، وسلام واطمئنان، فتتحيز على ارضها دولة مستقلة أبية، ديموقراطية، حرة، تتعايش فيها الاديان والاجناس، بمساواة، فكأنك بذلك انما نطقت كفراً، فاستشرس عدوك ضدك استشراساً، ولاحقك وجماعتك بصواريخه ودباباته وطائراته وقنابله العنقودية، ساعين طمس الشعلة الوطنية الملتهبة التي اعتمرت، فأقسمت من بين ألسنة النيران المتأججة، انك واذ تخرج من بيروت، فانك عائد بإذنه الى قدسك الشريف، الى الثرى الطاهر حيث مرتع طفولتك، ومنبت اجدادك، وجذور تاريخك، فاستغرب من قولك من استغرب فأغرب، واستهجن منهم من استهجن، فهجّ من حولك وهاجك، أما أنت، فتمسكت بايمان وجماعتك بالحلم الكبير، بينما استشهد من حولك من استشهد، ولامست، أبا عمار، الموت من بين المرات مرة، فاستنشقت فيه رياح الجنة، فكأنما استوهبت منه تعالى مدداً وزمناً، فلقد أقسمت قسماً، انها ثورة حتى ... عائد بإذن الله، انك عائد للمسرى، نعم هم لا يرونها ولكنك تراها، تراها ولا يرونها، فاليأس يعمي الابصار، وتتحطم خيوطه الضوئية على الصخور، أما الايمان فيخترق ضوؤه الأجسام، ويمتد عبر الزمان والامصار، وتتعرج الأيام بالأحداث، والأزمنة بالتضاريس، والجغرافيا بالتاريخ، فما لبثوا ان شاهدوا، من بين الانقاض، الكوفية الهوية، تخترق الحدود، عدت بها شامخاً بعد أربعين عاماً من الشتات والضياع، وخبرت، أبا عمار، كما خبرت أكثر من مرة، هجرة المرتدين والمتشككين من حولك، أولئك الذين هجر الايمان قلوبهم، فانهالوا عليك بأوجع الاوصاف والنعوت، وأحجموا عن العبور معك الى الارض الواعدة المقدسة، أما أنت فتمسكت بالذرة التي يتفتق عنها الكون، فبدأت باليسير وأنت الياسر، وبدأت بالأول وبصيرتك ممتدة للآخر، فافتتحت عهداً جديداً، ونبضت الارض مجدداً ومن بعد هوان بالسواعد الفتية الواعدة، قدت، أبا عمار، المهندس والطبيب، الطالب والأستاذ، الباحث في الكتب، والحارث في الارض، العامل والمخطط، الأمي والاكاديمي، الجندي والمدني، المسلم والمسيحي، الفلسطينية والفلسطيني، قدتهم جميعاً، أبا عمار، متوخياً تجسيد الحلم، إعمار الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.


وإذ أنت تُحاصر اليوم في مقاطعة خانقة، ضحية عدوان استطاع أصحابه تحميلك وشعبنا مسؤوليته، واذ تتلقى، مجدداً، الأسهم والرماح المؤلمة من كل صوب ومنحى، وحراب الصديق أشد مرارة من حراب العدو، فإننا من جامعة عاصمتك الابية الابدية، من جدران وحارات مدينتك العتيقة، من لفيف أطياف ذاكرتك التي لا زالت تجوب الحارات القديمة، ومن تلال الصخرة وأوديتها المحيطة، لنتشرف جماعة، طلبة وأساتذة وموظفين وادارة وأمناء بمنحك أرفع وسام نملك، وأسمى تقدير، وهو شهادة الدكتوراة الفخرية، تقديراً لوفائك، وعطائك، وإيمانك، وتضحيتك، وانتمائك، واخلاصك، وتواضعك، واستيعابك للاجتهادات والافكار المتعددة، مجددين العهد والوفاء كأبناء هذا الوطن، للمشروع النقي الانساني الذي حملت ولا زلت، مشروع الانعتاق من العبودية، وتحقيق الحرية والاستقلال للشعوب، وانجاز الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، دولة الحرية والمساواة.


لهذا كله نرفع الى رئيس مجلس أمناء الجامعة الموقر ومن قلب القدس موافقة مجالس وهيئات الجامعة الأكاديمية ذات الاختصاص منح رئيس دولة فلسطين السيد ياسر عرفات شهادة الدكتوراة الفخرية، في هذا اليوم الخامس عشر من جمادى الآخر سنة ألف وأبعمائة وخمس وعشرين هجرية، الموافق الأول من آب سنة ألفين وأربع ميلادية.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع