مع محاولة اغتيال موسى عرفات بدأت المرحلة الدموية لخطة الانفصال في الجانب الفلسطيني
كانت هذه هي المرة الأولى، منذ وصول عرفات إلى القطاع ، التي تم فيها استهداف شخصية أمنية فلسطينية كبيرة من عائلة عرفات بعبوة جانبية
مع محاولة اغتيال موسى عرفات بدأت المرحلة الدموية لخطة الانفصال في الجانب الفلسطيني
الأربعاء 13تشرين الأول 2004
مساء يوم الاثنين 12/10/2004 جرت محاولة اغتيال قائد القوات الفلسطينية في قطاع غزة ومدير الاستخبارات العسكرية موسى عرفات وذلك عن طريق تفجير سيارة مفخخة. وقد حدث الانفجار عندما خرجت قافلة موسى عرفات من مبنى القيادة الفلسطينية في وسط غزة. ولم يصب موسى عرفات بأذى. وكانت هذه العملية على نفس نمط عمليات حزب الله أو العمليات التي تجري في العراق. وعندما يتنقل موسى عرفات في قطاع غزة، يتنقل في موكب شبيه بالموكب الرئاسي إذ يستخدم قافلة تعد 6-8 سيارات مصفحة تسير بسرعة كبيرة وهي تشغل أضواءها وأبواقها تملأ الأجواء. وعندما تخرج القافلة إلى شوارع غزة، تخلو الشوارع إلى أن تمر. وهذه المرة، كانت سيارة مفخخة بانتظار القافلة وجرى تشغيلها بالتحكم عن بعد، تماما بنفس الطريقة التي جرى فيها تفجير العبوات الجانبية ضد قوات جيش "الدفاع" الإسرائيلي في جنوب لبنان في نهاية التسعينات، أو العبوات الجانبية التي تفجر اليوم ضد قوافل جيش "الدفاع" الإسرائيلي التي تتحرك على محور نيتساريم، أو الدوريات الأمريكية في بغداد.
وكانت هذه هي المرة الأولى، منذ وصول عرفات إلى القطاع عام 1994، التي تم فيها استهداف شخصية أمنية فلسطينية كبيرة من عائلة عرفات بعبوة جانبية. وفي اللحظة التي جرى فيها الانفجار بدأت سلسلة من الإجراءات التي لا يمكن وقفها.
وما من شك أن محاولة الاغتيال الفاشلة هذه قد تمت من قبل عناصر محمد دحلان في قطاع غزة، وذلك بعد أن حاول المصريون في الأيام الأخيرة المصالحة بينهما عندما كان موسى عرفات ومحمد دحلان في القاهرة. إلا أن محاولة المصالحة قد فشلت وجاءت عملية التفجير.وبذلك أعلنت، وبشكل مكشوف، حرب تصفية حتى الموت بين العائلات والجماعات المؤيدة لكل من عرفات ودحلان. وذلك الذي بات فيه من الواضح للطرفين ولغالبية الفلسطينيين، أن هذه هي حرب حتى النهاية المرة، أي أنها لن تنتهي إلا بنهاية أحد الطرفين. فإما أن يصفي موسى عرفات أو أن يصفى محمد دحلان، وذلك دون عد الضحايا الذين سيسقطون في الطريق، إلا أن يتم لأحدهما القضاء على الآخر.
كذلك فإنه من الواضح أن عملية التصفية هذه يجب أن تتم قبل أن يتم حسم خطة الفصل في "إسرائيل". فعرفات، وابن عمه موسى، وبعد أن هزما دحلان والموالين له في الجولة الأولى التي جرت بينهما في تموز/يوليو من هذا العام والتي شهدت عمليات تصفية واختطاف وإضرام النار في مباني السلطة الفلسطينية، الاثنان لن يتركا قضية السيطرة على قطاع غزة ويدير الحرب الفلسطينية ضد خطة الفصل الخاصة بشارون مفتوحة وبدون حل. ومن الواضح أيضا للجانبين المتخاصمين، ولكل الفلسطينيين، أنه إذا بقي موسى عرفات في السلطة في قطاع غزة بعد أن تنتهي موجة التصفيات المتبادلة فإن شارون لن ينجح في تنفيذ خطة الفصل وإخلاء المستوطنات بدون جولة أخرى من الحرب الصعبة مع الفلسطينيين. وهو الحرب التي لم تتضح نتائجها السياسية والعسكرية حتى الآن. ومن هنا يجب أن نفهم أن المعركة على رفح، خلال عملية "قوس قزح"، والمرحلة الحالية من إطلاق صواريخ القسام على سديروت، إنما هي المرحلة الأولية من هذه الحرب. وإذا ما انتصر محمد دحلان والموالين له في حرب التصفيات، فإن الطريق ستنفتح أمام شارون لتنفيذ خطة الفصل، ويبقى مطلوبا منه فقط التغلب على حماس ولجان المقاومة الشعبية، وليس على كل المؤسسة الأمنية الفلسطينية.
وبكلمات أخرى فإن أربعة زعماء أحدهم مصري والآخر إسرائيلي أما الاثنان الآخران فهما فلسطينيان، والذين لهم علاقة بخطة الفصل هذه، يغرقون بشكل متزايد في ورطة المشاكل العسكرية والإرهاب الصعبة، وهو الأمر الذي لم يأخذه الجانب الإسرائيلي بالحسبان منذ بداية العملية. والرئيس المصري يصف عملية القاعدة في سيناء بأنها "عملية غريبة" لم يحصل مثلها بعد في مصر، فيما تقول صحيفة "الأهرام" الناطقة باسم حكمه أن العملية كانت عملية للقاعدة والتي أتت من داخل مصر، هذا الرئيس يعرف أن الهجوم في سيناء كان البداية فقط في سلسلة من العمليات "الإرهابية" لتنظيم القاعدة القادمة على الطريق والتي سترافق كل خطوة تقوم به مصر على طريق المشاركة في خطة الفصل. أما اريئيل شارون والذي أخذت قاعدته السياسية في الليكود بالانسحاب من تحت قدميه يواجه موجة "إرهاب" القاعدة، بما في ذلك في المناطق داخل إسرائيل، بالإضافة إلى موجه من "الإرهاب" والعمليات العسكرية التي يعدها ياسر عرفات. أما ياسر عرفات ومن ورائه موسى عرفات فهما لا يواجهان فقط أعدائهما من الداخل، مثل محمد دحلان، بل إريئيل شارون كذلك والمصريين، والأمريكيين الذين يعملون في المناطق الفلسطينية بواسطة الأوروبيين. وفي هذه النقطة فإن على ياسر عرفات أن يختار الجهة التي سيتعاون معها لخوض الحرب ضد "إسرائيل". فهل من الممكن أن تكون مصر هذه الجهة؟ أن مصر لا يمكن أن تكون هذه الجهة ولا ترد في اعتباراته الاستراتيجية. أم أن الجهة ستكون حزب الله والقاعدة، حيث أن تفجيرات سيناء أعطته الإشارة بأنهم موجودون على الأرض، وقد انتقلوا من مرحلة الإعداد لمرحلة العمل وتنفيذ العلمليات الخاصة بها. ولو أنه كان لدى شارون ومستشاريه رؤية استراتيجية أوسع، لكانوا قد أدركوا أنه من أجل وقف الدم في المنطقة يجب إبطاء خطة الانفصال والتركيز على معالجة التهديدات التي بدأت تتراكم في الأفق. ذلك أنه لم تتم معالجة هذه التهديدات فإنه لن تكون هناك فرصة لتنفيذ خطة الفصل، ولن يجد لها الأغلبية السياسية المطلوبة لدعمها.ولكن شارون، المستعد للمضي قدما في خطة الفصل حتى بثمن انشقاق الليكود وخراب المنظومة السياسية الإسرائيلية، هو ليس الرجل الصحيح لاختيار الاعتبارات الاستراتيجية الصحيحة سواء منها الإسرائيلية أو الإقليمية. لذلك فإن السيارات المفخخة التي انفجرت في عيد العرائش في سيناء، والليلة في غزة، هي مجرد العلامات الأولية لما ينتظرنا في المستقبل.
المصدر : موقع "دبكة