إلى الرئيس

 بقلم : إبراهيم أبو الهيجاء

 

رئيس السلطة "الوطنية" الفلسطينية !!

رئيس منظمة التحرير الفلسطينية

ليس من عادتي أن أكتب الرسائل الشخصية في مساحة مقالتي أو ما يعطيه قلمي ، ولكني قررت أن أبعث لك رسالة علنية من صميم قلبي  وبصمات صدقي  علها تجد طريقها إليك وتقرأها بتمعن،طبعا ربما أنا غير ملّم بما أنت مطلع عليه من خيوط وتفاصيل،ولكني سأفرض  أن أغلب أوراق اللعبة باتت مكشوفة والخيارات واضحة والهروب منها أو الالتفاف عليها أو التمسك بخيارين متناقضين لم يعد يجدي،فالوضوح في هذه المرحلة بات مسألة مهمة،وأقترح عليك بصفتي مواطنا فلسطينيا  أن تكون أكثر وضوحا في تصريحاتك وخياراتك ،مع علمي  أنه صعب على السياسيين الرسميين أن يكونوا صريحين ولكني سأقترح عليك وأنا العارف بالعلوم بالسياسية ونظرياتها ومناهجها أن تكون صريحا لأقصى درجة وأن تحسم أمرك لأن الوقت ينفذ كما هي الأوراق تسقط الواحدة تلو والأخرى.

 

وأقترح عليك أيضا أن تنظر هذه المرة من الزاوية الأخرى من المسائل فاللعبة واضحة  وأطرافها ( الأمريكان ، و"الإسرائيليون" ، والرسميون  العرب  المقربون منهم ) يريدون لك  ثلاثة خيارات:

 

·  إما أن تعتزل من تلقاء نفسك وتترك لمن يلبي شروطهم الرياسة لكي يقوم بالمهمة المناطة به.

 

·  أو لديك خيار آخر : أن توقع لهم على صك التنازل وترضى بصفقة التسوية،وتمارس دور أوسلو من جديد.

 

·  أو لديك خيار وسيط بينهما أن ترضى بأن تبقى رئيسا رمزيا على أن يبقى امتياز( الأمن والمال ) خاصتهم، والأهم أن شرطهم لكي تبقى ذلك الرئيس الرمزي هي أن تمرر لهم بكل حب الرئيس القادم- والمقترح طبعا من طرفهم والذي يلبي شروطهم بنسبة 100% وليس أقل من ذلك-0

 

إن بقيت مصّرا على ممارسة المتناقضات السياسية ومسك العصا من المنتصف-حسب رأيهم - فهذا لن يجدي من طرفهم لأنهم يعتبرونك "تناور"،ورغم أنهم يعرفون أن ذلك من استحقاقات السياسية الرسمية التي تحاول ممارستها (أي الوقوف في المنتصف بين طموح الشعب واستحقاقات التسوية)،إلا أنهم لا يريدونك أن تفعل ذلك،فهم يريدونك واضحا جليا بأن تكون منحازا ضد شعبك وأمينا تجاه الأمن الصهيوني حتى لو قتلوا الشعب الفلسطيني واحد تلو والآخر ودمروا بيوتنا على رؤوسنا.

 

وهم  على كل الأحوال يريدون دفعك لكي تكون سيئا بنظر شعبك سواء اندفعت إلى شروطهم رغبة منك أو جبرا عنك،(فمثلا) هم يطلبون منك محاربة العمليات الفدائية "في الوقت الذي يدرك فيه الجميع (أي الأمريكان والأوروبيين و"الإسرائيليين")،أنك مجرد من سلاحك ولا تقوى بل لا يمكنك أن تفعل شيئا لتمنع العمليات الاستشهادية سواء لافتقادك التقنية والقوة أو بسبب حجم العدوان الصهيوني المسبب بالتالي لحالة الدفاع عن النفس  و لا يمكن هنا، لأحد مهما كان أن يسيطر عليها حتى لو ملك كل أوراق السياسة والقوة…إذ الوضعية التي يحاولون إجبارك عليها تريد تدميرك وإنهاء وجودك،فإن لم تقبل كل هذه الصيغ وبقيت تمارس سياسة المنتصفات والمتناقضات،فللأسف أنت "برأينا "ستكون محاطا بأزمتين واحدة من الشعب الذي ينظر بغضب إلى تصريحاتك عن المقاومة،  وأخرى من الذين يرون فيها مناورات سياسية وتعبير عن عدم الجدية،  وأنظر ماذا حدث رغم ما فعلت في "كنيسة المهد وقضية قتلة زئيفي"  لقد عادوا إلى مقرك قبل أيام  وقصفوا مكان نومك وكادوا يدمرون المقاطعة على من فيها ،لولا القيود الأمريكية على تلك الخطوة، فمسموح لشارون أن يطلق النار على قدميك ولكن ليس على رأسك -حسب ضوء الإجازة الأمريكية -،طبعا تدرك وأنت العارف أن ذلك ليس لسواد عينيك ولا حتى لتوقيعك الذهبي أوسلو وملاحقتها، وعلى ما رضيت به طوال عشر سنوات مضت،فهم لا يريدون أن يمرروا المرحلة القادمة بفراغ قيادي يعني بالضرورة انقلابا ينعكس على الأمن الصهيوني،وهم أيضا يرون أن التخلص منك بشكل قسري سيضع البديل عنك موقع المتهم أمام شعبه نظرا لقيادتك المتشرعة من التاريخ الطويل ، وعليه فمن سيأتي إلى القيادة بدلا عنك  إما خائن بنظر شعبه أو سيكون مطلوبا منه أن يقدم الإثباتات على وطنيته مما يعني بالضرورة "التشدد" تجاه "الإسرائيلين"، لذا هم يفضلون بقاءك  حيا ،رغم ما يحملّونك إياه من اتهامات بممارسة المقاومة أو السكوت عن فاعليها أو  حتى عدم ضبط أفعالها ،الثلاثة أمور هذه  بنظرهم تستحق أن تنهي مهامك لأنك بنظرهم غير مناسب،ناهيك على أن عدم موافقتك أو مماطلتك  بالموافقة  على كل مقترحات كامب ديفيد الأخيرة  و مقترحات كلينتون ،  كان بنظرهم الخطيئة الكبرى ،وعليه كن على قناعة أنهم لن يغفروا ذلك، لو استغفرت وتبت في اليوم مائة مرة ،وعليه فلا بد لك من تفكير استراتيجي آخر تقلب الطاولة عليهم وتبلبل حساباتهم،لأنهم يرون بك  الآن ضعيفا وهدفا سهلا للاتهام والنيل منك لأنك مها فعلت فإنك لن تخرج عن إطار أوسلو والتسوية… وانظر و أنت العارف بعلنيتهم وسريتهم .

 

صدّق !! أنا لا أقترح عليك ذلك عبثا أو جنونا ، بل أرى أن تلك هي الخطوط المنطقية لك لكي تقتل ملكهم في لعبة الشطرنج الدائرة فالجميع  باتوا على قناعة أن التخلص منك بات ملحا،وانظر لتصريحات صديقك "مبارك" في "نيويورك تايمز" حول ضرورة أن تكون  زعامتك  رمزية، وحتى الأوروبيين الذين يغازلهم  الرسميون الفلسطينيون كثيرا يصرون على انتخابات تهدف ضمنيا إلى التخلص منك، وحتى المال الأوروبي المخصص لأجهزة السلطة ،الأمريكيون اليوم  استطاعوا جلبه لكي يكون جزءً من المساومة في مجمل الصفقة ووسائل الضغط عليك،وبغض النظر عن سميفونية  الفساد القديمة الجديدة التي سكت عنها الأمريكان والأوروبيون فكانوا بالتالي  شركاء فيها،فإن سكوتهم كان مقصودا لكي يستغل في اللحظة التي  يشاءون وبما يخدم في النهاية استراتيجيتهم في المنطقة،ولا تنس أن حجم الأصوات الطاعنة في زعامتك هي في الداخل كثيرة ومن أقرب المقربين إليك، واحد يستغل التناقض الوطني فيذمك وآخر يستغل الإصلاح فيزاود عليك ،وكلاهما يجري اتصالات من خلفك ليضمن لنفسه مكانا في التشكيلة القادمة، أما إن سئلت عن المعارضين لزعامتك -وبالمناسبة أنا واحد منهم- كن على قناعة أنهم لن يرضوا أن يدخلوا بلعبة المتوسطات والمتناقضات  ،ولن يكونوا ديكورا شكليا في إصلاحات نصفية أو وهمية،ولن يتنازلوا عن خيار المقاومة الذي سلكوه ولن يتوقفوا بعد أن قطعوا كل هذا الشوط الكبير من التضحيات،كما أنه لا يمكنهم تجاهل حقائق ما بعد انتفاضة الأقصى و لن يمرا مرور الكرام عن حقائق العدوان السافرة،وهم دون شك ليس في بالهم  الانخداع بالمفاوضات  إذا ما تجددت.

 

أيها "الرئيس" 

أقترح عليك أن تنسى معسكر المعارضين،فهم صدقني ليسوا منهمكين بتهديد سلطة أحد أو زعامة أحد أو حتى التنافس على مناصب هنا أو هناك،-لا تصدق وشايات البعض من هنا وهناك-،فكل همّ المعارضة بل كل الشعب الفلسطيني هو التطلع إلى الحرية والانعتاق من الاحتلال  ولا هم لنا سواه،وأقترح عليك أن تنتبه جيدا لمن يسمون أنفسهم أصدقاء لك من الداخل والخارج فخطرهم داهم وهم لن ينتظروك فلا تمهلهم،وعليه سأقترح عليك خطة كما قلت لك تقلب الطاولة وتجعل لزعامتك معنى آخر وشرعية قوية وهي خطة بسيطة تتضمن النقاط التالية والتي تناسب الوضعية الحالية :-

 

1.       أن تعلن للجميع أن بقاء "إسرائيل" تقتحم مناطق السلطة تدمر وتقتل  يعني عمليا إنهاء لمجمل معطيات أوسلو،وأقترح عليك هنا أن تعطي إنذارا ينتهي خلال مدة معينة تقول فيها لمن يسمون أنفسهم"المجتمع الدولي"إما أن يأخذوا دورهم أو أنك ستعلن بصراحة أن "أوسلو فلسطينيا قد انتهى ولم يعد له مكان أو شرعية أو تشريع لدى الشعب الفلسطيني".كما هو حاصل فعلا .

 

2.       أَعلن بكل بوضوح أن بقاء ممارسات الاحتلال بهذه الفظاعة يبرر تماما المقاومة للشعب الفلسطيني وإن لم تستطع دعم المقاومة بهذه المرحلة بشكل واضح، فلا أقل أن تقول لهم "أنا لا أستطيع أن أمنع شعبي من الدفاع عن نفسه بكل السبل وكما أن الاحتلال ينتهك العمق الفلسطيني فالمقاومة من حقها توجيه ضرباتها في العمق أيضا".

 

3.       قل للحريصين جدا على الإصلاح هذه الأيام "حسنا أنا لست ضد الإصلاح بل إنني سأنفذ إصلاح جوهري ومنهجي و أبدأ عمليا بذلك  من خلال التالي :-

 

4.       أبدأ بالتحضير لانتخابات من خلال قانون انتخابات بعيد عن أوسلو وعلى الأقل بعيد عن اشتراطاته .

 

5.       أضمن رقابة عالمية أو عربية أو إسلامية  تمنع تدخلا "إسرائيليا" أو أمريكيا بالنتائج.

 

6.       أعلن أن نهاية العام هو الوقت المستهدف لانتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية.

 

7.       قم بإحراج الدول العربية التي تستضيف اللاجئين أو سفارات الدول الغربية التي لديها فلسطينيون لكي تستعد لإشراك الفلسطينيين الذين في الخارج،  وصدق أن مبررك قوي جدا بإشراكهم وحجتك قوية فلا تتردد.

 

8.       استدعِ القوى الفلسطينية الفاعلة واجعلها شريكة في التحضير والرقابة والإشراف على قانون الانتخابات وعملية الانتخابات ذاتها.

 

9.       اجعل الانتخابات تحمل مضمونين (الأول) تصويت لمن هو مرشح و(الثاني) تصويت على الخيارات التي نريدها كشعب فلسطيني وتحديدا حول موقفنا من أوسلو،فقط قل للمجتمعات الغربية الديمقراطية جدا (إن ما جرى من أحداث يستحق أن نعرف رأي الشعب بالمقاومة وشكل التسوية لنعرف أي الخيارين أهدى سبيلا ؟).

 

10.   ابدأ فورا بطرد المفسدين المعروفين لدينا جميعا، واستدعِ القوى الفلسطينية الفاعلة وأعلن عن تشكيل حكومة طوارئ في الداخل وأخرى حكومة ظل في الخارج.

 

11.   إذا أردت أن تبقى  فائزا بالرئاسة  فسأقترح عليك وصفة بسيطة،"استدعِ القوى الفلسطينية الفاعلة وأعلن أن برنامجك سيكون واضحا مع المقاومة ورافضا للتسوية وأعلن ذلك للشعب من خلال خطاب متلفز وثق أن المؤيدين والمعارضين لك سيرشحونك ويعتبرونك خيارهم الانتخابي .

 

12.   إن رأيت ذلك صعبا عليك فيمكنك سلوك طريق أقل خطرا عليك وأكثر قابلية للأجواء السياسية وإحراجا للاعبين فيها ،وهذا السلوك يتعلق أساسا بمنظمة التحرير الفلسطينية فأعلن أن الإصلاح لا يتوقف على السلطة بل إنه سيكون أساسا في جسم منظمة التحرير من حيث تفعيل نظام يقوم على الديمقراطية والمشاركة ودون وجود سقف سياسي لطموحه وبما  لا يحول دون مشاركة المعارضة وخاصة الإسلامية ،وابدأ فعلا بذلك دون تشاور أحد بعد كل ذلك أضمن لك تماما أن ترتفع شعبيتك وبعدها يمكنك إذا أديرت عملية الإصلاح بكل نزاهة أن تجعل جميع الاتجاهات السياسية الى جانبك.

أيها "الرئيس"

ما اقترحته سهل عليك وبإمكانك فعله وتغيير مجرى الأمور لصالحك وثق أن كثيرين سيكونون  خلفك (شرفاء عديدين من فتح والمعارضة اليسارية والإسلامية ) ،لا تتردد ولا تخشهم وافعلها،لأنني أذكرك بما قلته لك من أول سطر أنت شخصيا على مفترق طرق ومعسكر الأصدقاء تخلى عنك وينتظرون قراءة الفاتحة على جنازتك، أما الذين في الداخل فهم كثر وينتظرون الفرصة،وأنت -أيها الرئيس- في إشكال مع كلا الطرفين ولن ترضي أحدا ما دمت في سياسة المنتصفات وأعتقد أنه لم يتبقَ لك سوى تبني الوضوح السياسي وجلب قوى الشعب الفلسطينية لجانبك،القضية بيدك فلا تفوتها.

أيها "الرئيس"

أعلم أن ما تقول في نفسك أن موافقتك على مقترحاتي وما ورد في رسالتي سيؤدي إلى أحد أمرين( إما قتلك أو نفيك) وأظنك لا زلت تراهن على ظروف دولية تحسن من الموقف ،وأنا أؤكد لك من قراءتي المتواضعة للظروف السياسية القادمة أن الأمل في عودة الوضعية - كما كانت- وهم مصرون على ذلك .

 

1.       أما إن خشيت القتل فأنت الآن بنظرهم  الشماعة التي يلقون   عليها كل الاتهامات ولكن إن ذهبت فمن هو ذا العنوان  الذي سيعلقون  عليه فشلهم في ضبط المقاومة وفاعليها، ولنفرض أنك "استشهدت" فأعتقد أن أي رجل سيفرضونه سيكون متهما حتى لو لم يفعل شيئا بل حتى لو حلف الأيمان المغلظة على وطنيته ،  وعليه سيكون مطلوبا أن يقدم الإثباتات الوطنية وليس العكس،  و إن أقدم على تسويات مذلة فثق أن الشعب قاتله في وقت قصير،وأرجح أنهم لن يقدموا على قتلك في كل الأحوال للأسباب آنفة الذكر .

 

2.       أما إن فكروا بنفيك خارجا وهذه فكرة مستبعدة لأن نفيك لهم مزعج جدا لهم ، ويعطيك حرية لتفكيك القيود السياسية المفروضة عليك،بالعموم حتى لو نفيت فهذه فرصة لكي ترتب منظمة التحرير  بالأسس الجديدة التي اقترحتها عليك.

أيها "الرئيس"

أنت على مفترق انعطاف تاريخي  و إنا والله يشهد  ننصح لك ،وافعلها وسترى أن بوش الذي لا يريد أن يحدق في عيونك أو يطلبك  للقائه  لن يسكت هاتفه عن طلبك متوسلا أن توقف ما أنت مقدم عليه ، فأنت تعلم أن القضية الفلسطينية  رقم صعب وبمقاومتنا قادرون ليس فقط على قلب المعادلة الإقليمية بل والدولية أيضا 00 والأيام ستشهد

أيها "الرئيس"

لقد تحملت الأخطاء السابقة و أتى إذاً أوان التصحيح ، ودون شك فإن التعديل الوزاري الأخير  لا يعدو كونه إعادة انتشار أو إعادة تمركز لبعض الوازرات وبرأينا هذا استمرار للخطأ ،  ونحن نرى أن الزمن تجاوز كل ذلك  فقد أتى أوان  التصحيح  ولا عودة عنه و التصحيح المقنع لكل أبناء الشعب الفلسطيني، التصحيح  الجوهري المعبر عن نبض كل فلسطيني وليس إصلاحا يناسب ما يحفظ أمن الصهاينة أو يجعلنا نكسب ثقة الأميريكين000

 

هذا وبالله التوفيق

مواطن فلسطيني

14-06-2002

الى صفحة القائمة السوداء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع