مكرمة الرئيس والاحتيال الرخيص
خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني - نابلس
8/29/2004
العام الدراسي على الأبواب .. وعشرات آلاف الأسر تستعد لتجهيز أبناءها لدخول المدارس .. وكالعادة فان كل طالب يكون بحاجة إلى ملابس جديدة ، وحذاء وحقيبة ودفاتر وأقلام وكل لوازم الدراسة .. الأمر الذي يعني ليس اقل من ( 200 ) شيكل كحدّ أدنى لكل طالب .. فإذا ما كان لدى الأسرة ثلاثة أبناء سيدخلون المدرسة -- وهو المعدل المعقول -- فان الأسرة ستكون بحاجة إلى ما يساوي ( 600 ) شيكل … فمن أين ستأتي الأسرة بهذا المبلغ في ظل حالة البطالة والفقر وتدني مستوى الدخل ..؟؟ وماذا سيفعل ولي الأمر لتامين هذا المبلغ .. هل سيستدين ..؟؟ وهل هناك من هو مستعد لإقراضه ..؟؟ وهل سيلجا إلى وزارة الشئون الاجتماعية أم إلى المؤسسات الأهلية أم إلى لجان الزكاة أم إلى الميسورين في بلدته .. أم إليهم جميعا – لتامين ولو جزء من هذه الاحتياجات كالحقائب والقرطاسية ..؟؟؟
نعم إنها فرحة كبيرة أن يعود أبناءنا إلى المدرسة ليتلقّوا العلم والتربية .. ولكنها أيضا همّ كبير جدا يواجهه الفقراء وابناء الفئات الشعبية ،الذين اصبحوا اليوم يمثلون الغالبية العظمى من شعبنا الفلسطيني ، بسبب سياسات الإغلاق والحصار الإجرامية التي تتبعها سلطات الاحتلال ضد شعبنا .. ولا يجد أولياء الأمور أمامهم فرصة إلا أن يعملوا كل ما في وسعهم أن يعملوه ، وبشتى الطرق ، حتى يوفروا الفرحة لابنائهم فلذات أكبادهم ، ويعوضونهم ولو بالقليل عما هم محرومين منه .
وقد كان الرئيس ياسر عرفات قد اتخذ في السنوات السابقة قرارا في غاية الأهمية وذو طابع إنساني عظيم ، بإعفاء جميع أبناء الفقراء العاطلين عن العمل ، والمتضررين من سياسات وإجراءات الاحتلال من دفع رسوم المدارس -- وهو قرار ادخل الفرحة إلى قلوب جميع الفقراء ، وجعلهم يحسّون بان رئيسهم يحسّ بهم ويقف إلى جانبهم … ولكن من أين ستأتي الفرحة وكيف تصل إلى المحرومين منهم وفي طريقها ألف حاجز وبوّابة ..؟؟ كيف تصل المكرمة الرئاسية وهناك من كان قد رأى فيها مسبقا فرصة ذهبية لشفطها ولهطها وملئ جيوبه الخاصة وصناديق أموال مؤسسته بها تلك الصناديق التي كان قد استنزفها وافرغها بطرق ملتوية ولأغراض تبعد بعد السماء عن الأرض عن أوجهها الحقيقية .. فعندما توجّه المعنيون بالمكرمة إلى مدارسهم طالبين الإعفاء من الرسوم المدرسية .. طالبتهم مدارسهم بالحصول على كتاب إثبات لحالتهم ليؤهلهم ذلك للتمتع بالإعفاء .. ومن الطبيعي أن تكون الجهة التي تعطي هذه الكتب هي جهة اختصاص بأوضاع العمال وهي بالتأكيد اتحادات النقابات العمالية التي تفتح مكاتبها في العادة في المدن الرئيسية .. وهناك كانت المصيبة الأكبر إذ طالبت بعض النقابات من كل تقدم للحصول على كتاب إعفاء من الرسوم المدرسية أن يكون منتسبا للنقابات أو أن تكون بطاقته النقابية سارية المفعول .. الأمر الذي يعني دفع رسوم مالية للنقابات لا تقل عن تلك التي ستعفيه منها المدارس .. هذا بالإضافة إلى أن طلاب القرى سيكونون بحاجة للسفر إلى المدن للوصول إلى مكاتب النقابات وهذا يعني أيضا دفع أجور سيارات .. وفي المحصلة يكون رب الأسرة قد دفع للنقابات واجور النقل ما يزيد عن مكرمة الرئيس .. أي أن المكرمة قد تبخرت ، وبدل أن يستفيد منها الفقراء شفطها من يدعون تمثيل الفقراء ويقومون بالتربّع على عروش النقابات منذ 14 عاما بلا انتخابات .
ويتساءل المواطن هل يعلم الرئيس أنّ مكرمته قد تبخرت وأنها لم تصل إلى أصحابها الحقيقيين..؟؟ وأنها تحولت بقدرة قادر وبالاحتيال الرخيص إلى صناديق بعض النقابات ..؟؟ وما دام الفقراء لن يستفيدوا منها لماذا تحرم المدارس منها وهي الجهة التي من المؤكد أنها بحاجة ماسة لها وستنفقها في صالح احتياجات المدارس …
نعم إن الفقراء بحاجة إلى هذه المكرمة .. ويتمنون على الرئيس أن يصدر قراره مرّة أخرى هذا العام بإعفائهم من الرسوم المدرسية ، وان يتابع بشكل دقيق تنفيذ قراره كي تصل المكرمة إلى أصحابها ويحظر على أي جهة شفط المكرمة واقتناصها كما كان يحصل في الأعوام السابقة .