13/11/2004

تحليل اخباري

أبو اللطف المرشح المفترض لرئاسة الدولة الحلم

كتائب الأقصى والقيادة الموحدة محورا الخلاف المقبل بين القدومي وعباس

شاكر الجوهري

تقاسم مواقع ياسر عرفات لم يكتمل، كما أنه غير نهائي، فضلا عن أنه لا يؤمن الإنسجام داخل قيادتي "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية، ويدفع باتجاه فرز الأوراق التي جرى خلطها سريعا، بشكل يقارب القلق، على قاعدة عاطفية، وتحت شعار الحفاظ على وحدة القيادة التي لا يمكن الحفاظ عليها، لتعارض ذلك حد التناقض مع ضرورات التفاعل اللاحق الناجم عن ارهاصات معاشة.

هنالك ثلاثة مواقع رئيسة أخرى من مواقع عرفات لم تشغل بعد، قد يمثل الحديث المفترض بشأنها مدخلاً حتمياًً لفرز ضروري للأوراق المخلوطة، وهي:

رئيس دولة فلسطين، رئيس مجلس الأمن القومي، والقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية.

انتخب فاروق القدومي رئيسا لحركة "فتح" بإجماع اعضاء لجنتها المركزية التي يحظى بتأييد 13 عضوا من أصل اعضائها الستة عشر، مقابل اختيار محمود عباس رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بإجماع الأعضاء الذين شاركوا في اجتماعها برام الله.

لقد تحقق الإجماع للقدومي بفضل الأغلبية الساحقة التي يتمتع بها داخل مركزية "فتح"، أما عباس فقد حصل على اجماع اعضاء اللجنة المركزية في الداخل بفضل دعم القدومي له، وقبول اعضاء الداخل بما تقترحه "فتح" باعتبارها الفصيل القائد لمنظمة التحرير، وكذلك في ظل عدم تصويت اعضاء اللجنة التنفيذية الموجودون في الخارج، وكذلك المعتقلين مثل عبد الرحيم ملوح ممثل الجبهة الشعبية، وممثل جبهة التحرير العربية.

بالطبع، يوجد لعباس مؤيدين داخل اللجنة التنفيذية يكادوا ينحصروا في شخص ياسر عبد ربه ممثل حركة "فدا"، الذي لم يعد عضوا في الهيئة القيادية لهذا الحزب، إذ جرى مقايضته: المنصب الوزاري وعضوية التنفيذية مقابل تخليه عن موقع الأمين العام للمناضل صالح رأفت.

عبد ربه لم يكن على وفاق دائم مع عباس، فبالرغم من عمله معه في اطار لجنة الإشراف على مفاوضات اوسلو، فإنه اختلف معه عدة مرات، تفاقم الخلاف في احداها حد قذف عباس له بزجاجة ماء داخل غرفة مكتب عرفات، وبوجود الرئيس.. ذلك أن عباس لم يحتمل تسخيف عبد ربه لمقترحات اعدها تتعلق بالحوار مع واشنطن، ارضاء لعرفات الذي كان يريد ارسال رسالة إلى واشنطن مفادها أنه وحده صاحب القرار، وأن لا فائدة من تعويل ادارتها على عباس.

لكن، عباس قد يقلب صفحة ويفتح أخرى في علاقته مع عبد ربه على قاعدة وحدة الخط السياسي في التعامل مع الحل الفلسطيني، حيث كلاهما ينتمي إلى الخط الأكثر براغماتية وتساهلا داخل القيادة الفلسطينية، كما أن عبد ربه ليس امامه الآن غير التقرب من عباس، بعد أن غاب عرفات، وفقد هو الحزب الذي يفترض أن يستند إليه.

غلطة عبد ربه

اول المؤشرات على ذلك تمثلت في النقد القاسي والمباشر الذي وجهه عبد ربه للقدومي عبر فضائية "العربية" جراء التصريح الذي أدلى به داعيا لاجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في الخارج لبحث الأوضاع الناجمة عن وفاة عرفات. ولم يكن عبد ربه ليصدق أن القدومي الذي هاجمه في المساء سيصبح رئيسا لحركة "فتح" قبل ظهيرة اليوم التالي..!

لكن هذا هو ما حدث، على نحو يدفع مركزية "فتح" للمطالبة مجدداً بتحجيم عبد ربه، التي كان قرارها رئيساً في اخراجه من الوزارة نظراً لشبهة الفساد التي تقول إنها تطاله، ونظراً كذلك لما تعتبره مواقف تفريطية كان آخرها رعايته مع يوسي بيلين لمشروع وثيقة جنيف المفرطة بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.

عباس قد يجد نفسه في مقبل الأيام واقعاً تحت ضغطين متقابلين: مركزية "فتح" تطالبه بتحجيم دور عبد ربه، وضغط اميركي ـ اسرائيلي يلقى هوى في نفسه لتنشيط دور ذات الرجل..!

ياسر عبد ربه قد يكون نقطة الخلاف الأولى التي قد تلعب دوراً مهماً في تفجير العلاقة بين القدومي وعباس، على نحو لا بد من أن يؤثر على عوامل أخرى حين تفرض الضرورة انتخاب رئيس جديد لدولة فلسطين وتعيين رئيس لمجلس الأمن القومي، وقائد عام لقوات الثورة.

لا جدال في أن عباس يحظى بدعم غير مفهوم الدوافع من قبل الجبهة الديمقراطية بقيادة نايف حواتمة، وإن كان تيسير خالد ممثل الجبهة في اللجنة التنفيذية انتقد في تصريح علني انفراد "فتح" بتشكيل الوفد الذي عاد عرفات في مستشفى بيرسي قبيل وفاته.. ذلك أن هذا النقد يهدف فقط إلىالتذكير بحصة الجبهة المقبلة من الكعكة.

لقد ارتبط نايف حواتمة على الدوام بعلاقة خاصة مع عباس، حتى حين كان رئيسا لحكومة السلطة يختلف مع عرفات بشأن حجم وتوقيت التنازلات التي يريد تقديمها لإسرائيل. ولم يحد وجود حواتمة في دمشق من حجم علاقته مع الرئيس الحالي للجنة التنفيذية.

مواقع شاغرة

منصب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية قد لا يشغله أحد بعد عرفات، لأن الرئيس السابق تبوأ هذا المنصب من واقع قيادته لقوات العاصفة، الجناح العسكري لحركة "فتح" الذي كان القوة الرئيسة للثورة الفلسطينية، وهو ما أهله لتبوء القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية في خضم المواجهات التي اندلعت بين الفصائل الفلسطينية والجيش الأردني عام 1970، ثم مع الجيش وقوى اليمين المسيحي في لبنان بدءا من عام 1973، قبل أن ينفجر الموقف على نطاق واسع عام 1974.

أما الآن، فإن قوات الثورة الفلسطينية أصبحت في غالبيتها الساحقة جزءا من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وما تبقى منها في الخارج، يعارض الخط السياسي الذي قاد إلى اوسلو وسلطة اوسلو.

موقع رئيس مجلس الأمن القومي يفرض القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية أن يشغله رئيس السلطة، وإن لم يصدر ما يشير إلى أن أحمد قريع رئيس الوزراء قد يسلم صلاحيات هذا المنصب لروحي فتوح، الرئيس المؤقت.

يتشكل هذا المجلس اساسا من قادة الأجهزة الأمنية وعدد من المستشارين ابرزهم العميد جبريل الرجوب الذي شغل خلال العام الماضي مستشار الأمن القومي للرئيس الراحل. وعلى ذلك، فإن هذا المجلس قد يظل يعمل تحت رئاسة رئيس الوزراء بصفة مؤقتة لحين اختيار رئيس جديد، طالما أن عباس وقريع معا يخشيان من تحالف فتوح مع العقيد محمد دحلان، وإن كان عباس دفع سابقا بقوة لإسناد وزارة الداخلية لدحلان.

ويتبقى منصب رئيس دولة فلسطين..!

أغلب الظن أن سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني لم يتطرق لهذا الموقع حين عرض على القدومي رئاسة "فتح" وعلى عباس رئاسة اللجنة التنفيذية في اطار "الكومبرومايز" الذي تم التوصل إليه.

حلم الدولة وتآكل السلطة

لا جدال في أن رئاسة دولة فلسطين هي موقع رمزي مقارنة برئاسة السلطة الفلسطينية، لكن هذا الموقع كان شديد الأهمية حين شغله عرفات لأول مرة في نيسان/ابريل 1989، بعد أن استحدث ضمن قرار المجلس الوطني الفلسطيني في تشرين ثاني/نوفمبر اعلان قيام دولة فلسطين، حين انتخب القدومي يومها وزيرا للخارجية. غير أن أهمية هذا الموقع يمكن أن تتضاعف في حال شغله من قبل القدومي المتمسك بالثوابت، والأقل براغماتية من عباس.

ويرى مراقبون أنه إذا كانت الظروف الفلسطينية، كون منظمة التحرير الفلسطينية تمثل المرجعية السياسية والقانونية للسلطة الفلسطينية، وكون غالبية اعضاء التنفيذية موجودون في الداخل، وكون عباس العضو الفتحاوي الوحيد الموجود في الداخل، فرضت اختياره رئيسا للجنة التنفيذية، فإن الأمر يبدو شديد الإختلاف بالنسبة لموقع رئيس دولة فلسطين.

لقد مثل اعلان المجلس الوطني الفلسطيني قيام دولة فلسطين ورقة ضاغطة على اسرائيل واميركا والمجتمع الدولي الذي اعترفت الغالبية الساحقة من دوله بوجود دولة فلسطين، من أجل العمل على تحويل الفكرة إلى واقع. ولئن أدى جمع عرفات كل المواقع في يده إلى اقامة رئيس دولة فلسطين داخل الأراضي الفلسطينية، وتوليه كذلك رئاسة السلطة الفلسطينية، فإنه ليس واردا الآن أن يشغل رئيس السلطة المقبل رئيس دولة فلسطين بعد ما آلت إليه أمور هذه السلطة، وحتى لا يحدث خلط مضر بين واقع السلطة الحالي والحلم الفلسطيني الكبير، الذي انطلقت ملامحه من الخارج ليعود إلى الداخل بذات الزخم والعنفوان. وهذا ما يحتم اختيار القدومي رئيسا للدولة طالما أنه يواصل تمثيل الحلم، تماما كما احتفظ بمنصب وزير خارجية دولة فلسطين الذي انتخب له، بعد أن عين نبيل شعث وزيراً للشؤون الخارجية للسلطة الفلسطينية.

يؤكد هذا التوجه أنه في الوقت الذي تقرر فيه قيادة عباس ـ قريع قبيل وفاة عرفات، القضاء على فوضى السلاح، في اشارة إلى فصائل المقاومة، يؤكد القدومي بعد انتخابه رئيسا لحركة "فتح" تبنيه لخط المقاومة حتى تتحقق التسوية السياسية، ولا يقول السلام.

رئيس الدولة يفترض أن يناضل حتى تقوم على أرض الواقع، لا أن يفاوض على قاعدة خطة شارون..!

قيادة ما بعد عرفات مقدمة إذا على مواجهة كبيرة بين حلم الدولة، وواقع السلطة المتآكل..!!

الكتائب والقيادة الموحدة

لذلك، وبغض النظر عما إذا كان القدومي سيشغل رئيس دولة فلسطين أم لا، وهذا على كل حال قرار المجلس المركزي الذي تملك فيه "فتح" الأغلبية، فإنه سيختلف مع عباس على قضايا رئيسة أخرى. فإلى جانب الموقف المتعارض من المقاومة، واوسلو، ستشهد الأيام المقبلة خلافا حول قضيتين رئيستين:

الأولى: الموقف من كتائب الأقصى التي تحولت إلى كتائب الشهيد ياسر عرفات، في خطوة من شأنها تكريس شرعيتها بمواجهة عباس وانصاره داخل المجلس الثوري لحركة "فتح" الذين عملوا خلال سنوات الإنتفاضة على تفكيك هذه الكتائب.

مقابل موقف عباس المعروف، فإن الكتائب غدت الآن من ضمن صلاحيات القدومي باعتباره رئيسا لحركة "فتح"، وباعتبارها منبثقة عن تنظيم الحركة الذي يشغل مفوضه العام، حليفه محمد راتب غنيم في تونس، ويشغل مفوضه في الداخل حليفه الآخر هاني الحسن. فضلا عن أن القدومي نفسه لم يكن منقطع العلاقة مع الكتائب قبل وفاة عرفات.

الثانية: القيادة الفلسطينية الموحدة التي دعا القدومي إلى تشكيلها خلال مرض عرفات منضما بذلك إلى حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي وعموم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي تطالب بقيادة موحدة تتولى صنع القرار الفلسطيني في ظل حالة الشلل التي تعاني منها مؤسسات منظمة التحرير، وما تفرضه الضرورة من مشاركة "حماس" والجهاد في صنع القرار بحكم حجمهما المؤثر في الشارع الفلسطيني، ورفضهما الإنخراط في عضوية منظمة التحرير.

وبالطبع، فإن "حماس" والجهاد، وفصائل أخرى ترفض غير القدومي رئيسا للقيادة الموحدة.

وفي هذه الحالة، سيضاف التناقض بين القيادة الموحدة كمرجعية عليا لجميع الفصائل، بما فيها منظمة التحرير، إلى تناقض آخر بين حلم الدولة وواقع السلطة الذي يمثل القدومي وعباس طرفاه..!

لهذا، يتوقع أن يبذل عباس كل جهده من أجل عدم اسناد رئاسة دولة فلسطين للقدومي، وعدم تشكيل القيادة الموحدة، غير مبال في هذه الحالة، بأن القدومي كرئيس لحركة "فتح" يفترض أن يمثل مرجعيته التي يتوخى مواقفها في ممارسته لعمله رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.

ويجدر لفت النظر هنا إلى أن رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير هي غير رئاسة منظمة التحرير، التي أخفق حتى عرفات في اوج عظمته في تمرير تعديل نظام المنظمة بحيث ينتخب من قبل المجلس الوطني مباشرة رئيسا للمنظمة، بدلاً من أن تنتخبه اللجنة التنفيذية رئيسا لها.

إذا لم يلتزم عباس بقرارات مرجعيته التنظيمية سيصبح من حق أي فتحاوي، بل أي فلسطيني أن يتساءل: من يمثل هذا الرجل على رأس تنفيذية منظمة التحرير..؟

سؤال بهذا الحجم، إن لم تجب عليه قيادة "فتح"، ستتولى الإجابة عليه قواعد "فتح"، وفي المقدمة منها كتائب الشهيد ياسر عرفات، لتكرس اختلاف عباس مع عرفات وخط عرفات في مماته، كما في حياته..!

كما ستتولى الإجابة عليه القيادة الفلسطينية الموحدة، التي لا جدال في أن قادة الفصائل، بمن فيهم القدومي، سيمضون قدما على طريق تشكيلها، بغض النظر عن موقف رئيس اللجنة التنفيذية.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع