خالد سلام وعد بتقديم معلومات مهمة ثم حاول "تتويه" لجنة التحقيق.. تنازل عن احتكار تجارة الإسمنت لصالح المتورطين

الطريفي اعترف بتحويل اسمنت مصري لإسرائيل لبناء الجدار وعرفات كافأ المتورطين..!! حلقة 1 من حلقتين

ـ عرفات تلقى تقريرا مبكرا عن الفضيحة فأخفاه وقريع تلقى تقريرا من الأمن المصري وتكتم عليه .

 

السبت 19 حزيران 2004

 

بقلم شاكر الجوهري                                                                                         

 

قبل أن تتكشف فضيحة تحويل مسؤولين في السلطة الفلسطينية كميات من الإسمنت المصري إلى الجدار الإسرائيلي، تلقى رأس السلطة الفلسطينية ورئيس وزرائه معلومات رسمية بالخصوص ولم يحركا ساكنا.

ياسر عرفات تلقى تقريرا بذلك من خاله جرار القدوة، بصفته رئيس هيئة الرقابة، لكنه ركنه في أحد الأدراج. أما أحمد قريع رئيس الوزراء فقد تلقى تقريراً من الأمن المصري لكنه تكتم عليه. هذا ما يؤكده حسن خريشه رئيس لجنة التحقيق التي شكلها المجلس التشريعي الفلسطيني في هذه القضية، وهو يشغل رئيس لجنة الرقابة في المجلس، فضلا عن أنه انتخب في آذار/مارس الماضي نائبا لرئيس المجلس التشريعي.

الخريشه يروي في القسم الأول من هذا الحوار الطويل تفاصيل عمل لجنة الرقابة ابتداء من لحظة تلقيها شكوى حول هذه القضية من قبل ماهر الكرد وكيل وزارة الإقتصاد الوطني، وصولا إلى اصدارها تقريرها الذي أوصى بإحالة ملفات اربع شركات متورطة في القضية إلى النائب العام، تحميل ماهر المصري وزير الإقتصاد الوطني ووزارته المسؤولية الكاملة عن هذه القضية، رغم قناعة اللجنة بعدم فساد الوزير.. مروراً بمكافأة المتورط الأول في الوزارة بتعيينه من قبل الرئيس الفلسطيني وكيلا مساعدا للوزرة..!

ويورد الخريشه هنا تفاصيل اعتراف جمال الطريفي، شقيق الوزير جميل وشريكه في الشركة المتورطة باحالته كميات من الإسمنت المصري لإسرائيل من خلال تاجر اسرائيلي اسمه بلنسكي، ومحاولته تبرير ذلك. ويكشف دورا خفيا لخالد سلام المستشار الإقتصادي لعرفات في هذه الفضيحة. القضية أخطر من أن نتناولها بمزيد من العناوين، هنا التفاصيل بدءا من السؤال الأول:

-  صدر قبل بضعة ايام تقرير لجنة الرقابة في المجلس التشريعي الفلسطيني بشأن ما اصطلح على تسميتها بقضية الإسمنت المصري. هل تضعنا في صورة هذه القضية..؟

ـ كانت البداية قبل ثمانية أشهر حيث تلقينا طلبا رسميا من قبل ماهر الكرد وكيل وزارة الإقتصاد الوطني الفلسطيني يطالبنا بالتحقيق في هذه القضية، مرفقا بالطلب الذي سلمني اياه نسخة من مقالات نشرنها صحيفة "العربي" المصرية كشفت فيها معلومات تتعلق بهذه القضية، كما تلقيت شكوى من مواطن، أغفل اسمه، بذات الشأن، ارفق بها هو الآخر نسخة من أحد مقالات الصحيفة المذكورة.

في البداية، ولأننا نعرف بوجود مشاكل بين ماهر المصري وزير الإقتصاد الوطني، ووكيله ماهر الكرد، اعتقدنا أن هذه الشكوى قد تكون كيدية.

وقدم الوكيل الكرد نسخة من الشكوى إلى اللجنة الإقتصادية في المجلس التشريعي التي يرئسها الدكتور عزمي الشعيبي، الذي بادر إلى اعداد تقرير مستعجل خلال بضعة ايام، ثم جاء ماهر المصري إلى المجلس التشريعي وتقدم بتقرير حول القضية، وقرأ التقريران امام المجلس، دون أن يلقيا استحسانا من قبل المجلس، فتم رد تقرير الوزير، وحول التقرير والقضية برمتها إلى لجنة الرقابة. وكان ذلك في بداية رئاسة رفيق النتشة (أبو شاكر) للمجلس التشريعي.

-  ما كان موقف رئيس المجلس من هذه القضية..؟ ـ كرئيس مجلس تشريعي لا موقف له حيال هذه القضية. هذه قضية لها علاقة بلجان المجلس أكثر من رئاسته.

من جهتنا في لجنة الرقابة، طلبنا اشتراك اللجنة القانونية ورئيسها عبد الكريم أبو صلاح ولجنة الموازنة ورئيسها الدكتور سعدي الكرونز. انما على الصعيد الفعلي، فإن لجنة الرقابة هي التي تولت متابعة القضية، حيث قررت تشكيل لجنة تقصي حقائق للتوجه إلى القاهرة، وذلك بعد أن سألنا عددا من الذين لهم علاقة بوزارة الإقتصاد الوطني، وتحديداً عبد الحفيظ نوفل، مدير عام الوزارة في ذلك الوقت.

-  ماذا سألتوه..؟ ـ سألناه عن قضية الإسمنت، فأنكر معرفته بها طوال ثلاث جلسات، كان يطرح في كل واحدة منها قضايا متناقضة مع ما يطرحه في غيرها، وكأنه كان يخفي معلومات عن اللجنة، إذ لم يكن يقر بصحة أية معلومات إلا بعد أن نتأكد منها من جهات أخرى. لقد كان يواصل انكار معرفته لأي شيء إلا في حالة مواجهته بمعلومات محددة فيقر بصحتها.

بعد هذا التقصي المبدئي للمعلومات توجهت لجنة التقصي إلى القاهرة.

عقبات اسرائيلية

-  ما هي القناعة التي تشكلت لديكم بشأن دور وزارة الإقتصاد قبيل توجهكم إلى القاهرة..؟ ـ كانت قناعتنا تنطوي على وجود شكل من اشكال الإهمال والتقصير من قبل الوزير وعدم قدرته على متابعة ما يدور في وزارته، وأن بعض موظفي الوزارة كانوا متورطين بشكل مباشر في هذه القضية. وأود أن ألفت إلى اننا ونحن في طريقنا إلى القاهرة ووجهنا بعقبات.
-  
ما هي..؟ ـ شكل وفد من ثلاثة أشخاص للذهاب إلى القاهرة هم أنا وكل من النائبين جمال الشاتي والدكتور سعدي الكرونز. في البداية رفض رئيس المجلس أن نذهب إلى القاهرة للتحقيق في هذا الموضوع.

-  لماذا..؟ ـ كان يرى أن لا داعي لذلك، وأنه يمكن للمجلس التشريعي أن يخاطب سفارة فلسطين في القاهرة لتتولى الحصول على المعلومات المطلوبة وتزويدنا بها، وذلك لغايات توفير النفقات. لكن اللجنة أصرت على الذهاب إلى القاهرة، وهذا ما حدث، بموافقة رئيس المجلس.

في الليلة السابقة كانت القناة العاشرة للتلفاز الإسرائيلي بثت تقريراً مصوراً عن قضية الإسمنت، وعن تشكيل المجلس التشريعي للجنة تحقيق في هذه القضية. وتحدث التقرير كذلك عن أحمد قريع رئيس الوزراء، ومصنع القدس للخلطات الإسمنتية الجاهزة الذي يملكه في أبو ديس. وعرض شريط مصوراً لشاحنات تنقل خلطات الإسمنت من هذا المصنع إلى حيث تقام مستوطنة جبل أبو غنيم. وأوردت القناة اسم جميل الطريفي.

في الطريق إلى الأردن ووجهنا بعقبات كثيرة. ففي طريقنا إلى الجسر، تعمد الإسرائيليون أن يوقفوا سيارتنا ويقوموا بفك عجلاتها ونحن داخلها. وقد تم تعطيلنا قرابة الخمس ساعات.

حاولنا الإتصال خلال ذلك مع جميل الطريفي وزير الشؤون المدنية، لكننا لم نوفق في الإتصال به، ويبدو أنه لم يكن لدى الوزارة استعداد لمساعدتنا. لكن تدخل الإعلام الفلسطيني نجح في تمكيننا من مواصلة رحلتنا إلى عمان ومنها إلى القاهرة. فقد اتصل وليد العمري مراسل قناة "الجزيرة" مع مختلف وسائل الإعلام، بما في ذلك الصحفيين الإسرائيليين وأبلغهم بمنعنا من السفر. وقد اتصلت معنا الإذاعة الإسرائيلية لتسأل عن اسباب منعنا من السفر لكنني رفضت الحديث معها.

واتصلت معنا عدة محطات تلفزة تسأل عن الأمر، ما شكل ضغطا على الجانب الإسرائيلي، جعله يسمح لنا بالمغادرة إلى الأردن. وكان مفاجئا لنا أن يكون محمود عباس (أبو مازن) موجوداً على متن ذات الطائرة التي اقلتنا إلى القاهرة.

لقاء مع أبي مازن

-  ما الحديث الذي دار بينكم واياه..؟ ـ كان جالسا في الدرجة الأولى، بينما كنا نحن جالسين في الدرجة السياحية، وارسل لنا لنجلس معه. ومن جهتي بادرته بالسؤال: ما الذي أنت ذاهب لتخريبه في مصر..؟ وهو سؤال يعكس موقفي من حكومته في حينه. وبدوره سألني لماذا أنتم ذاهبون لمصر..؟ فأجبته نحن ذاهبون للبحث عن الإسمنت "تبعكم"..! اجاب الله يوفقكم". وافترقنا في مطار القاهرة.

في اليوم التالي ذهبنا إلى مقر صحيفة "العربي" حيث التقينا مع رئيس تحريرها عبد الله السناوي ومع صحفي اسمه سعيد السويركي الذي كان كتب التقارير المتعلقة بقضية الإسمنت.

السويركي ابلغنا أنه في البداية كان يحقق بشأن قضية تطبيع مصري ـ اسرائيلي، غير أنه لفت انتباهه تواجد تاجر اسرائيلي اسمه بلنسكي يحمل جواز سفر الماني في فنادق القاهرة، ويقوم بزيارات مستمرة لمصانع الإسمنت في السويس وبني سويف، ولديه مكتب استيراد وتصدير في القاهرة، وتبين أن عمره سبعون عاما وهو يملك عدة شركات في اسرائيل احداها تعمل في مجال الزيت، وأخرى في مجال النفط، وثالثة في مجال النقل، ورابعة في مجال الإسمنت اسمها توت مان كونكريت كومبني". وهذه الشركات مسجلة باسمه أو باسم زوجته واولاده.

التحقيقات الصحفية التي اجراها السويركي بينت أن بلنسكي أصبح مستورداً لكميات كبيرة من الإسمنت المصري تقدر بحوالي مئة ألف طن وأكثر وذلك خلال أشهر معدودة. وقد أدى نشر تحقيقات صحفية عن نشاطات بلنسكي إلى توقف مصانع الإسمنت المصرية عن بيعه انتاجها جراء ضغوط تعرضت لها بشكل غير مباشر.

بلنسكي بدأ فوراً البحث عن طريقة بديلة لإستيراد الإسمنت المصري فوجد ضالته في الجانب الفلسطيني، وذلك من خلال علاقات سابقة له مع بعض الأشخاص والشركات الفلسطينية. وقد اثارت الصحيفة ذاتها القضية مجدداً تحت عناوين تقول إن وزراء فلسطينيين يتعاملون مع بلنسكي في نقل اسمنت مصري للجدار الإسرائيلي.

وقد زودتنا الصحيفة بوثائق تتعلق بالقضية تؤكد صحة كل ما نشر، وتفقدنا القدرة على مقاضاتها.

عبد الله السناوي وسعيد السويركي احضرا شخصا آخر اسمه عصام، وهو مصري يملك شركة نقل تتولى نقل الإسمنت من مصنع الإسمنت إلى معبر العوجة الذي يربط مصر بإسرائيل. وقد أحضر معه شريكه، وأبدى استعداده لأن يزودنا بكل تفاصيل القضية. وبالفعل، فقد زودنا بوثائق ارساليات الإسمنت التي خرجت من المصنع إلى معبر العوجة، وكانت تتضمن اسم السائق ورقم السيارة والكمية والتاريخ، حيث تبين أنه في الفترة بين نهاية تشرين اول/اكتوبر العام الماضي، وبداية كانون أول/ديسمبر، تم تصدير كميات اسمنت ضخمة لإسرائيل اجماليها 1440 طن من الإسمنت السائب غير المكيس. وهذه الكمية نقلت بواسطة سيارات شركة واحدة بخلاف ما نقل بواسطة شركات أخرى. قبل أن نلتقي مع عصام هذا، التقينا مع ممثل شركة جمعة قنديل الطريفي في القاهرة.

اختلاف الشركاء

-  من هو جمعة قنديل الطريفي..؟ ـ هو تاجر فلسطيني يملك مصانع اسمنت وكسارات، وهو من اقارب جميل الطريفي وزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية، وشريك سابق لجمال الطريفي شقيق الوزير في مكتب تجاري بالقاهرة يديره شخص اسمه وليد العمري.. وهو ابن فخري العمري الذي استشهد مع صلاح خلف وهايل عبد الحميد عضوا اللجنة المركزية لحركة "فتح" الذين قتلوا في تونس مطلع 1991.

وقد زرنا العمري وجلسنا معه، وقد روى لنا ما يلي: كنا نتعامل في البداية مع شخص اسمه (أبو اسامة) جمال بركة (شركة انتصار بركة) وهي مسجلة في كل من فلسطين ومصر، حيث كنا نشتري الإسمنت من مصر ونرسله إلى فلسطين حيث نسلم جزء من الكمية إلى جمعة قنديل الطريفي.. أي أن جمعة لم يكن يستورد اسمنت بشكل مباشر. واجمالي الكمية التي استوردها (أبو اسامة) بركة هي 27 ألف طن، ورد منها حوالي 16 ألف طن لجمعة قنديل الطريفي، وتبقت كمية مقدارها 7ـ8 آلاف طن حدثت مشكلة بين جميل وأبو اسامة بشأن الجهة التي ذهبت إليها. وقد شك العمري أن هذه الكمية ذهبت للإسرائيليين، فأوقف التعامل مع أبو اسامة. وعندها بدأ جمعة قنديل الطريفي يبحث عن ترخيص خاص به يؤهله لجلب الإسمنت بشكل مباشر من مصر. وقد تقدم بطلب رخصة إلى وزارة الإقتصاد الوطني في رام الله في شهر ايلول/سبتمبر 2003، حيث حصل عليها بصعوبة، إذ طلب منه الذهاب إلى مؤسسة المواصفات والمقاييس ويسلم عينات من الإسمنت المصري الذي يعتزم استيراده ليتم فحصها في الأردن، ثم ليحصل من مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية على شهادة اجازة. وقد استغرقت المعاملة فترة زمنية طويلة، علما أنه كان طلب استيراد كمية مقدارها خمسين ألف طن. وفي النهاية أبلغ أن الكوتا الفلسطينية لا تسمح باستيراد هذه الكمية، وتم خفضها إلى عشرين ألف طن، ووفق له عليها بعد قرابة الشهرين.

أما جمال الطريفي شقيق جميل الطريفي فقد تقدم بطلب رخصة استيراد بعد فترة من تقديم طلب جمعة قنديل الطريفي، وحصل عليها في ذات اليوم دون الرجوع لأي جهة خارج الوزارة.

بدورنا سألنا مؤسسة المواصفات والمقاييس عن كيفية حدوث ذلك، فتلقينا اجابة مفادها أن هذه الرخصة صدرت عن وزارة الإقتصاد الوطني بالرغم عن المؤسسة.

-  كيف..؟ ـ لم يشرحوا لنا. وهذا هو السؤال الكبير الذي لم نجد اجابة له. وكذلك جمال الطريفي لم يجب عليه.

-  هل تعتقدون أن وزير الإقتصاد سهل له الأمر..؟ ـ قد يكون، وقد يكون أي طرف آخر. لا معلومات لدينا. يضيف وليد العمري أن الأمن المصري استدعاه بعد نشر التحقيقات الصحفية حول القضية، وأبلغه أنه كأمن مصري لا يستطيع التحدث مع السلطة الفلسطينية بشكل مباشر حول هذا الأمر.

رسالة مصرية لقريع

-  لماذا..؟ ـ لا أدري. هذا ما سمعته منه. المهم أن وليد العمري كلف ووافق على نقل رسالة إلى السلطة الفلسطينية حيث حضر شخص من الأمن المصري والتقى مدير مكتب أحمد قريع (أبو علاء) رئيس الوزراء وأبلغه أن جزءا من الإسمنت المصري الذي يتم استيراده يذهب إلى الجدار الإسرائيلي.

يقول عبد الحفيظ نوفل مدير عام وزارة الإقتصاد الوطني أن أبو علاء استدعاه وطلب منه أن يشرح له حقيقة الأمر. فبادر نوفل من فوره إلى توجيه كتاب رسمي إلى مصنع بني سويف للإسمنت في مصر بوقف رخص كل من جمعة قنديل الطريفي وجمال الطريفي. وقد أبلغ نوفل أبو علاء بعدم وجود مشكلة، وأن الوزارة اوقفت كل التراخيص من قبيل اجراءات الحيطة والحذر.

بعد لقائنا مع وليد العمري، التقينا ثانية مع عصام.. صاحب شركة النقل التي زودنا بوثائق تتعلق بارساليات الإسمنت. وأثناء جلوسنا معه تلقى اتصالا هاتفيا من شخص اسمه ماهر مبروك وكيل جمال الطريفي، ووكيل بلنسكي معا. ماهر أبلغ عصام، الذي اسمعنا نص المكالمة، "موضوعك منتهي وسندفع المبلغ المتفق عليه". اجابه عصام، أنا أريد أن يحدثني معلمك. وبعد عشرين دقيقة تلقى اتصالا آخر، كان في هذه المرة من جمال الطريفي، وقد اسمعنا هذه المكالمة أيضا، التي قال فيها الطريفي "أنت لا تعرفني.. على رقبتي أني سأدفع لك ما التزمت به". ولم نكن نحن نعرف صوت جمال الطريفي، لكن عصام هو الذي ابلغنا باسم محدثه، وفي هذه اللحظة بدأت شكوكنا تتحول إلى يقين، خاصة أن عصام شرح لنا أن جمال الطريفي يريد أن يدفع له مبلغ عشرة آلاف دولار مقابل أن يقدم لنا كلجنة تحقيق معلومات مضللة، تفيد أن كل استيراد شركة جمال الطريفي يذهب إلى اراضي السلطة الفلسطينية. لكن عصام أكد لنا أن كل الكمية تذهب لإسرائيل بواسطة بلنسكي. وقد زودنا بصور عن ادخالات بنكية في فرع أحد البنوك في حي التوفيقية في القاهرة من قبل كل من جمال الطريفي وبلنسكي في حساب مصنع الإسمنت لدى هذا البنك. وقد سألنا عصام عن كيفية تسريب الإسمنت للإسرائيليين فشرح لنا قائلا: تقدم رخصة الإستيراد الفلسطينية للمصنع المصري، حيث يتم نقل الكمية المصرح بها إلى معبر العوجا بين مصر واسرائيل، ومن هناك ينقل إلى منطقة نتسانا داخل الحدود الإسرائيلية، ولا وجود فلسطيني فيها. وقبيل دخول الإسمنت إلى نتسانا يتم تغيير الملكية من اسم الشركة الفلسطينية إلى شركة بلنسكي الذي يقوم بتحميلها وادخالها إلى اسرائيل. وهذا ما ثبت له صحته.

420 ألف طن اذونات

-  ما هي الفترة التي تم خلالها تزويد اسرائيل باسمنت مصري عن طريق وسطاء فلسطينيين..؟ ـ حدث ذلك خلال الفترة من ايلول/سبتمبر 2003 إلى آذار/مارس 2004. وقبل ذلك كان يتم استيراد الإسمنت المصري إلى اسرائيل بشكل مباشر.

وأود أن ألفت هنا إلى أن التعامل مع الإسمنت كان يخضع في فلسطين لاحتكار شركة الخدمات الفلسطينية التي يرئسها خالد سلام المستشار الإقتصادي للرئيس ياسرعرفات، حيث كان يحتكر شراء الإسمنت من مصنع نيشر الإسرائيلي، ومن مصر والأردن وتركيا. ولم يكن مسموحاً لأي جهة أخرى أن تستورد الإسمنت. غير أنه تحت شعار وقف الإحتكار فتح سوق الإستيراد امام الإسمنت، دون الإخلال ببقاء سلام الوكيل الوحيد للمصنع الإسرائيلي حيث لا يحق لأي كان الشراء من هذا المصنع دون موافقته. كما أنه بقي مسيطراً بمفرده على استيراد الإسمنت من الأردن. وهذا يدعو للتساؤل عن اسباب فتح باب التنافس والإستيراد فقط من مصر..؟! وقد بلغ مجموع اذونات الإستيراد التي صدرت خلال هذه الفترة لصالح شركات فلسطينية 420 ألف طن. كما أنه يدعو للتساؤل عن كيف غضت اسرائيل النظر عن استيراد اسمنت لها بواسطة شركات فلسطينية بخلاف الإتفاقية الإقتصادية التي تحظر استيراد شركات فلسطينية لأي سلعة إلى اسرائيل..؟

وهنا أود أن ألفت إلى أن مصانع الإسمنت المصرية تبيع انتاجها لشركات فلسطينية بأسعار مخفضة بهدف مساعدة الشعب الفلسطيني على البناء والتعمير، حيث يبيعون طن الإسمنت لفلسطين بمبلغ 22 دولاراً بدلا من 26 دولاراً للغير، مع اعفاء من الضرائب.

كما أريد أن ألفت إلى أنه في الوقت الذي كان يتم فيه استيراد الإسمنت من الأردن وتركيا ومصر، وبكميات كبيرة جدا تزيد عن حاجة السوق الفلسطيني، كانت الأسعار ترتفع في هذا السوق الذي كان ولا يزال يشهد خمولا في عملية البناء جراء الأوضاع الأمنية.

وكان لافتا لنا أن شركة جمال الطريفي اشترت في ذات الفترة كمية اسمنت صغيرة من مصنع نيشر الإسرائيلي، بهدف التضليل كما يبدو.

-  ما هي الإنطباعات التي عدتم بها من القاهرة..؟ ما هي الجهات المتورطة في هذه القضية..؟ ـ عدنا بأسماء شركات محددة هي: شركة انتصار بركة، شركة جمال بركة (زوجها)، شركة جمعة قنديل الطريفي، وشركة الطريفي للباطون الجاهز التي يرئسها جمال الطريفي، وشقيقه الوزير جميل شريك فيها.

وكانت لدينا بعض الشكوك حول شركة أخرى تحمل اسما مشابها وهو شركة بركة، التي تبين لنا بعد الجلوس مع اصحابها انها تستورد اسمنتا مع مصنع السويس إلى قطاع غزة. وهذه الشركة فيها شريك هو شقيق العقيد محمد دحلان وزير الشؤون الأمنية السابق. ولم يثبت لنا أن هذه الشركة تزود اسرائيل بالإسمنت.

الإسمنت والجدار

-  هل ثبت لكم استخدام اسرائيل الإسمنت المهرب لإسرائيل في انشاء جدار الفصل..؟ ـ لم يثبت لنا ذلك لعدم توفر امكانات كافية لنا تساعدنا في التحقيق. فنحن لسنا جهازاً أمنياً. لكنه ثبت لنا بشكل قطعي ذهاب هذا الإسمنت إلى السوق الإسرائيلية، وهذا يعني أن جزءا منه ذهب بشكل أو بآخر لإنشاء الجدار. وحتى إن لم يذهب إلى الجدار فإنه لبى حاجات السوق الإسرائيلي التي يشكل الجدار والمستوطنات الجزء الأساس منها.

اريد أن اقول أنه يوجد لدينا تقرير مقدم من جرار القدوة رئيس هيئة الرقابة الفلسطينية (اعلى هيئة رقابية في السلطة الفلسطينية)، وهو خال الرئيس ياسر عرفات، ويحمل تاريخ 9/11/2003 وموجه للرئيس عرفات، يقول في بنده الثالث أنه تبين أن الإسمنت الذي يهرب من معبر العوجا يذهب إلى الجانب الإسرائيلي ويستخدم في بناء صبات باطونية لجدار الفصل العنصري.

-  ما الإجراء الذي اتخذه الرئيس في ضوء هذا التقرير..؟ ـ للأسف أن الرئيس لم يحرك ساكنا في هذا الموضوع. ورغم أننا لا نثق كثيراً بتقارير هيئة الرقابة، لأن رئيسها يرفض حتى الآن التعاون مع المجلس التشريعي، ويكتفي بتقديم تقارير الهيئة فقط للرئيس، إلا أننا نعتبر هذا التقرير دليلا على استخدام الإسمنت المصري في بناء الجدار. وقد اعترف لنا جرار القدوة بصحة التقرير الصادر عند سؤاله عنه.

-  ماذا فعلتم بعد عودتكم لفلسطين..؟ ـ التقينا فوراً مع أحمد قريع رئيس الوزراء، وابلغناه أن قضية الإسمنت تفاقمت، وشرحنا له التفاصيل. واشرنا إلى الزج باسمه في تقرير القناة الإسرائيلية العاشرة، فقال إنه استمع إليه، كما استمع إلى رد اللجنة بهذا الشأن. واضاف "أنا جاهز للتحقيق في أي وقت تحددوه"..!

اجبناه بأننا نتحدث عن الإسمنت المصري، وليس عن الخلطات الإسمنتية التي تناولها تقرير التلفزيون الإسرائيلي. وطلبنا منه أن يزودنا بما لديه من معلومات. وكان أبو علاء ابلغني عبر اتصال هاتفي اجريته معه من القاهرة حين كان في روما، حيث ابلغني بوجود ملف لديه حول هذه القضية. وقد زودني بهذا الملف الذي يحتوي على رسالة الوزير ماهر المصري حول الوضع، وهي موجهة لرئيس الوزراء، ورسالة موجهة من ماهر المصري للجنة الإقتصادية في المجلس التشريعي، وقرار المصري تشكيل لجنة تحقيق ثلاثية برئاسة صبحي أبو شعيرة. وقد اجرت هذه اللجنة تحقيقا بمشاركة وزارة المالية، تم خلاله الاستماع لشهادات المعنيين بهذه القضية. وتتطرق تحقيقات هذه اللجنة إلى كيفية تشكيل لجنة الكوتا الفلسطينية في وزارة الإقتصاد، وتورد تقريرا يفيد أن كمية الإسمنت التي دخلت اراضي السلطة الفلسطينية هي 1430 طن وقد دخلت اراضي السلطة الفلسطينية. ويحمل التقرير توقيع عبد الحفيظ نوفل مدير عام وزارة الإقتصاد الوطني، علما أنه لم يكن موجوداً في حينه داخل الأراضي الفلسطينية، حيث كان مسافراً. وتبين أن التقرير موقع فعليا من قبل الموظف أيمن شهوان الذي وضع خاتم الوزارة على التقرير وارسله إلى مصنع اسمنت بني سويف بهدف نفي تسرب الإسمنت المستورد من هذا المصنع لإسرائيل. وقد كان هذا الموظف يعمل في الإرتباط مع الجانب الإسرائيلي مع الوزير جميل الطريفي. ويقول أيمن أن جمال الطريفي شقيق الوزير هو الذي املاه نص التقرير، وطلب منه التوقيع عليه ومهره بخاتم الوزارة..!

وقد علمنا خلال التحقيقات التي اجريناها أن عبد الحفيظ نوفل سافر بدوره إلى مصر في ظروف تجلب الشبهة. إذ يقول أنه عندما كان متوجها إلى دبي للمشاركة في مؤتمر انعقد هناك، التقى عماد الفالوجي، الوزير السابق عند الجسر المؤدي إلى الأردن، حيث ابلغه الفالوجي أنه ذاهب إلى مصر ليمثل فلسطين، فرد عليه نوفل ما دام الأمر كذلك، فأنا سأذهب إلى مصر لغايات الترويح ولن اذهب إلى مؤتمر دبي. وفي الطائرة التي اقلته من عمان إلى القاهرة، يقول نوفل أنه التقى مصادفة مع جميل الطريفي، ونزل الإثنان معا في فندق سمير أميس في القاهرة، حيث كان يقيم في ذات الفندق مع التاجر الإسرائيلي بلنسكي وخالد سلام المستشار الإقتصادي لياسر عرفات. ويدعي نوفل أن كل هذا حدث مصادفة..!

وعلى فرض أن المسألة كانت من قبيل المصادفة، فكيف يذهب نوفل إلى القاهرة، ويتغيب عن المؤتمر المكلف بحضوره في دبي دون أن يبلغ وزيرة ماهر المصري بما حدث..؟

اعتراف الطريفي

-  وماذا يقول عماد الفالوجي عن هذه القضية..؟ ـ الفالوجي ينفي القصة من اساسها ويقول إنها كاذبة لا أساس لها. وتخلص لجنة التحقيق التي شكلها وزير الإقتصاد إلى وجود تقصير هنا وهناك. إلى ذلك، ذهبنا إلى وزارة الإقتصاد الوطني وحصلنا على نسخ من تصاريح الإستيراد التي صدرت بأسماء اشخاص، حيث يلاحظ أن كمية الإسمنت مدونة على هذه الرخص بالأرقام وليس بالأحرف والكلمات ما يسهل التلاعب بالكميات المدونة عليها. وبعض هذه التصاريح غير مدون عليه تاريخ صدوره أو انتهائه، وبعضها مكتوب عليه بخط اليد، علما أن الأصل مطبوع بواسطة الكمبيوتر، ما يؤكد وجود تزوير.

بعد الإطلاع على كل ذلك، ذهبنا إلى الوزير جميل الطريفي حيث اصرينا على الإلتقاء مع شقيقه جمال بوجوده. وفور دخولنا، وقبل أن نطرح السلام، بادأنا جمال الطريفي قائلا: أريد أن ابلغكم بأن هناك شخص مصري اسمه عصام اتصل بي من القاهرة وطلب مني أن أدفع له مبلغ عشرة آلاف دولار عن جمعة قنديل الطريفي، وأنا اجبته قائلا "على رقبتي وعلى رأسي"..!

لقد استوقفتني هذه الرواية، خاصة وأن العلاقة بين جمال الطريفي وجمعة قنديل الطريفي اصبحت علاقة تنافس وتزاحم وخلاف، ولا يعقل أن يدفع جمال مالا بدلاً عن جمعة، خاصة وأننا نعرف حقيقة هذه الرواية، حيث ادركت أن رواية الإتصال الهاتفي الذي اجراه مع عصام بوجودنا قد سربت إليه.

-  من الذي سربها له..؟! ـ ربما عصام نفسه، أو أحد آخر.

-  ألم تشك في أحد من اعضاء لجنة التحقيق..؟ ـ لا. دعنا نتجاوز هذه المسألة.

قلت لجمال الطريفي فوراً ما حدث ليس ما تقوله. ما حدث أننا كنا نجلس مع عصام لحظة اتصالك به، وقد استمعنا إلى مكالمتك معه. ثم إن عصام لا اموال له لدى جمعة قنديل الطريفي. وأبرزت له كتابا من عصام بذلك. ثم إنك تتهم جمعة قنديل الطريفي بأنه هو الذي اثار كل هذه القضية ضدك، فما كرم الأخلاق هذا الذي يجعلك تدفع امولاً عنه..؟!

وقد اربكه كلامي، وتحدثنا في كل التفاصيل، وسألته: لم تحولوا الإسمنت إلى بلنسكي..؟ فأجاب إنه يفعل ذلك بهدف تخفيف الإجراءات الأمنية الإسرائيلية. لكنهم قالوا في التحقيق الذي اجرته وزارة المالية إن نقل الملكية لا يعني تخفيف الإجراءات الأمنية بشكل كامل. والواقع أن الإجراءات الأمنية تزداد في هذه الحالة لأن الإسمنت يذهب إلى اسرائيل.

وسألته كيف حصلت على رخصة استيراد اسمنت في ذات يوم تقديم الطلب بخلاف ما حصل مع قريبك جمعة..؟ فأجاب قائلا "بطريقتي الخاصة".

وسألته كيف جعلت الموظف أيمن شهوان يكتب ورقة تقول إن 1430 طن اسمنت مصري دخلت إلى الأراضي الفلسطينية وابرزت له ورقة مكتوبة من مكتب تجاري مصري موقعة من قبل شخص اسمه عبد الحي تقول إن البضاعة المملوكة من قبل جمال الطريفي مرسلة لإسرائيل، ومحولة إلى منطقة اسمها رأس العين في اسرائيل لصالح بلنسكي.. فأجاب أن هذه الورقة مزورة. وعندها طلبت منه اثبات أنها مزورة..!

مقابل هذه الورقة احضر جمال الطريفي ورقة من شخص عربي في رأس العين يقول فيها أنه لا يعرف جمال الطريفي ولم يتعامل معه. واراد أن يثبت بواسطة هذه الورقة أنه لم يرسل اسمنتا مصريا لإسرائيل. فأجبته فعلا إن هذا الرجل لا علاقه له بك، لأن الإسمنت كانت يذهب إلى شركة بلنسكي التي لا يعمل فيها أي عربي أصلا.

هذا ما حدث في اللقاء الأول مع جمال الطريفي.

-  ماذا قال جميل في هذه الجلسة..؟ ـ جميل قال لي قبل أن نذهب إلى مصر "هذه قصة تافهة يا حسن. بلنسكي الذي تتحدثون عنه صديق قديم لنا، كان يحضر لنا بضاعة وينقل لنا زيوت. علاقتنا قديمة به، وهو ليس بتاجر كبير".

لكن خالد سلام يقول كلاما آخر عن بلنسكي..

وعد خالد سلام

-  ما علاقة خالد سلام..؟ ـ كنت التقيت به في رام الله، وقال لي عندما تحضروا إلى القاهرة سأزودكم بمعلومات كثيرة عن قضية الإسمنت. لكنه حين التقيناه في القاهرة حاول أن يدخلنا في متاهات. وعندها سألته: ناصر السراج ما هي قرابتك معه..؟ اجابني إنه نسيبي. فقلت له شكراً.. يعطيك العافية..!

ناصر السراج يعمل مديرا عاماً في وزارة الإقتصاد الوطني، وكانت له مشاكل مع الوزير ماهر المصري، فتدخل خالد سلام ونقله من وزارة الإقتصاد إلى وزارة الشؤون المدنية عند جميل الطريفي بمنصب وكيل وزارة مساعد. وبالتالي، لم تعد لخالد سلام مصلحة في الحديث عن الطريفي.

-  هل خالد سلام متورط في قضية الإسمنت..؟ ـ بشكل غير مباشر. هو المحتكر الوحيد لتجارة الإسمنت في كل اراضي السلطة، وقد سمح للشركات الخمس المذكورة بالإستيراد فقط من مصر.

-  لماذا..؟ ـ هذا ما يجب أن يقوله الناس. توجد هنا علامة استفهام.

التقينا بعد ذلك مع وزارة المالية ودائرة الجمارك التي قدمت لنا تفصيلا. الأمر الذي لا نستطيع ادراكه واستيعابه هو أن جمال الطريفي احضر كتابا يقول إنه بتاريخ 2/11/2003 دخلت 30 سيارة محملة بالإسمنت المصري، وفي ذات التاريخ (2/11) تم نقل جزء من هذه الحمولة إلى الخليل ونابلس، علما أنه لا يعقل حدوث ذلك في مثل ظروفنا خلال يوم واحد. وقدم جمال الطريفي فواتير مقاصة بهذه الكمية غير محددة فيها نوعية البضاعة وأنها اسمنت. وتقول هذه الفواتير أنه تم بيع هذه الكمية في مناطق في الضفة الغربية. وأبلغ الناس عبر كتب صادرة منه أن هذه المادة غير المحددة في الفواتير هي اسمنت مصري..! وهذا يعني وجود تلاعب وعمليات تضليل في هذه الفواتير.

وبدوره وجه ماهر المصري وزير الإقتصاد اتهامات إلى عبد الحفيظ نوفل مدير عام الوزارة، والموظف أيمن شهوان وعدد من موظفي الوزارة بالتورط في هذه القضية، وتعهد بأن يحاسبهم.

مكافأة المتورطين

-  هل حاسبهم فعلاً..؟ ـ حاسب الموظفين الصغار، أما نوفل فقد تمت ترقيته إلى وكيل وزارة مساعد بموافقة وتوقيع الرئيس ياسر عرفات..!

-  ما هي العقوبة التي انزلها الوزير بالموظفين الصغار. ـ نقل بعضهم من وظيفة لأخرى، ووجه انذارات لهم..! لم تكن محاسبة في مستوى الجريمة.

بعد ذلك أحضر لنا شخصا ما شريط فيديو كان مقدما لرئيس الوزراء أبو علاء، وللأسف قدمت نسخة منه مع وثيقة اخرى من شركة حراسة وأمن اسرائيلية لرئيس المجلس التشريعي رفيق النتشة. ولم يحله النتشة لنا..!

يقول التقرير المرفق بشريط الفيديو أنه في 30/10/2003 دخلت أراضي السلطة الفلسطينية 13 سيارة شاحنة محملة بالإسمنت لعدة مرات، توجهت 11 منها إلى شمال اسرائيل، وباتت اثنتان منها داخل اسرائيل. وفي الصباح ذهبت احداهما إلى رأس العين في شمال اسرائيل، والثانية إلى ديمونا. وأخرى فرغت حمولتها لدى شركة بلنسكي.

-  ما مصلحة الشركة الإسرائيلية في تزويد السلطة الفلسطينية بهكذا وثائق..؟ مصلحتها تكمن في التنافس التجاري بين الشركات. يوجد تضارب مصالح بين شركة نقل "تعبوراه" العائدة لمصنع نيشر وشركة النقل العائدة لبلنسكي. وقد كان من مصلحة نيشر نشر هذا التقرير لإخراج شركة بلنسكي من السوق.

-  أنتم في لجنة التحقيق تلقيتم التقرير من شركة نيشر..؟ ـ لا. نحن تسلمنا التقرير والشريط من أحد موظفي وزارة الإقتصاد الوطني الفلسطيني.

-  هل سألتم النتشة عن هذا الشريط..؟ ـ اجابني بتأكيد وجود الشريط والتقرير لديه، وقال لو سألتني لزودتكم بهما. ربما يكون نسي أن يحيلهما إلى اللجنة.

-  ولكن لم تأخر اعدادكم للتقرير الخاص بهذه القضية..؟ ـ لقد تباطأنا في اعداد التقرير متعمدين، حتى لا نظلم أحداً، ونتقصى الحقائق بشكل صحيح، ولا تكون في تقريرنا ثغرات.

هذه قضية وطنية كبيرة، وأي اساءة لأي أحد، وأي اتهام دون دليل يمثل دعوة للقتل. نحن نطالب الناس بالذهاب إلى جدار الفصل العنصري ليقاتلوا ويموتوا، وعندما يكتشفوا فجأة أن اشخاصا فلسطينيين يساعدون في بناء الجدار، سيكون هناك حقد كبير، ونقمة على الناس الذين ساهموا في عملية البناء. وبالتالي تريثنا حتى لا نظلم أحداً، وليكون تقريرنا واضحاً، وكي يصدر في لحظة سياسية مواتية، وليس في لحظة كان كل حديث السلطة والشعب الفلسطيني فيها ضد الجدار. كانت هناك معركة امام محكمة العدل الدولية في لاهاي، وكانت هناك معركة حقيقية على الأرض ضد الجدار. لذلك آثرنا تأجيل اصدار التقرير حتى لا يؤثر على موقفنا السياسي.

-  ما هي التوصيات التي خلص إليها التقرير..؟ ـ توجد ثلاث توصيات:

الأولى: احالة ملف الشركات الأربع المدانة إلى النائب العام لاتخاذ المقتضى القانوني، وذلك لعدم وجود أي مخرج قانوني يسمح للجنة بمصادرة اموال هذه الشركات لصالح المتضررين من الجدار أو الفقراء.

الثانية: تحميل وزير الإقتصاد الوطني والوزارة المسؤولية الكاملة عن هذه القضية من حيث عدم المتابعة، والتساهل في اصدار تراخيص الإستيراد وكثرة عددها، ومحاسبة الموظفين الذين اساؤا.

أنا لا استطيع الإكتفاء بمحاسبة موظفين صغار، لأن المسؤولية لا تفوض. المسؤول أمام المجلس التشريعي، أولا وأخيراً، هو الوزير، وعليه أن يتحمل مسؤولية أي تقصير، رغم علمنا أن الوزير ماهر المصري بطبيعته ليس فاسداً. وقد اعترف الوزير امام المجلس التشريعي أن كمية الإسمنت التي وصلت إلى اراضي السلطة الفلسطينية هي 65 ألف طن سرب للإسرائيليين منها 14 الف و500 طن. هو يعترف بمبدأ التسريب، ونحن نختلف معه بشأن الكمية.

يفترض كذلك أن نحمل الأمر لمجلس الوزراء بشكل كامل، على قاعدة تضامن وتكافل السلطة التنفيذية. الثالثة: التحذير من تكرار وقوع ما حدث.

ملاحظة اين ما يسمى بكتائب الاقصى وقوات كذا وكذا ، لماذا لا يحاسبون الفاسدين الذين يبيعون القضية الفلسطينية ؟؟

ماذا يسمى اصرار عرفات على ابقاء الطريفي في الوزارة

لماذا لا يستقيل الوزراء الشرفاء ـ ان كانوا فعلا شرفاء ـ اذا اصر عرفات على ابقاء الطريفي في الوزارة ؟؟؟

شاكر الجوهري

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع