الحدث زمانا ومكانا وشخوصا
-يوم الخميس 9 أكتوبر -يوم الجمعة 10 أكتوبر -يوم السبت 11 أكتوبر -يوم الأحد 12 أكتوبر المشاركون
وصل الإسرائيليون إلى فندق "موبنفيك"، في الجانب الأردني من البحر الميت، حوالي الساعة الثامنة مساءً، وكانت بانتظارهم مجموعة من الشخصيات الفلسطينية، من بينهم ياسر عبد ربه، نبيل قسيس، سمير رنتيسي، هشام عبد الرازق وعبد القادر الحسيني (نجل المرحوم فيصل الحسيني). ووصل في اليوم التالي كل من محمد حوراني من القيادة الشابة لحركة فتح في الخليل وقدروة فارس، أحد المقربين من مروان البرغوثي.
وتألف الفريق الإسرائيلي من عضو الكنيست عمرام متسناع، ترافقه مستشارته عنات روط، والدكتور يوسي بيلين، يرافقه المستشاران، دنيئيل ليفي وأوري زخي، وعضو الكنيست أفراهام بورغ، والعميد غيورا عنبر، والدبلوماسي المخضرم، دافيد (دييف) كيمحي، والبروفيسور أرييه أرنون، ونحاما رونين (ليكود)، والدكتور رون بونداك، والبروفيسور مناحيم كلاين، وعضو الكنيست حاييم أورون، والأديب عاموس عوز، واللواء (احتياط) شلومو بروم، وشاؤول أريئيلي، رئيس دائرة السلام في مكتب رئيس الحكومة السابق، إيهود براك، ورجل الأعمال آفي شكيد.
وعقد المشاركون اجتماعـًا أوليـًا بهدف التعارف والتقارب وبث شعور بالألفة، وقام كل واحد منهم بالتعريف على نفسه باللغة الإنجليزية، وقد خيّم التفاؤل على اللقاء. وقال عبد ربه إنه حظي بتشجيع كبير من الشارع الفلسطيني في أعقاب التقرير الذي نشره الموقع. وأضاف: "لقد أدرك الناس ماذا سنفعل وأدركوا أهمية الخطوة التي قد تخلق وضعـًا جديدًا". أما الجانب الإسرائيلي فقد أعرب، في البداية، عن تخوفه من أبعاد النشر، لكنه تشجع كثيرًا من ردود الفعل التي جاء بها الفلسطينيون.
وانتهت أمسية التعارف قبل منتصف الليل بقليل. وتفرقت الطواقم إلى الغرف، بينما واصل عبد ربه ومتسناع وبيلين حديثهم الدافئ حتى ساعة متأخرة من الليل.
بدأت المحادثات حوالي الساعة التاسعة صباحـًا في الطابق الأرضي من الفندق الذي تم تخصيصه للمفاوضات، واهتم حارس بمنع دخول الفضوليين.
لقد تم التوصل إلى كثير من التفاهمات قبل عقد اللقاءات، ولم يتبق إلا الشيء القليل، حسب وصف أحد المشاركين. وفي تمام الساعة 12:00 تم تقسيم المشاركين إلى طاقمين، حيث تولى الطاقم الأول المسؤولية عن الخرائط وترسيم الحدود. وضم هذا الطاقم كلا من متسناع، بونداك وأريئيلي، وعن الجانب الفلسطيني كلا من سميح قراقرة (نائب نبيل قسيس)، ياسر عبد ربه، ثم انضم بعد ذلك حوراني الذي حل محل عبد ربه بعد وجبة الغذاء بالإضافة إلى خبير خرائط فلسطيني يدعى بشار جمعة.
أما الطاقم الآخر فهو طاقم الصياغة الذي قاده يوسي بيلين وعبد ربه، بالإضافة إلى حاييم أورون وعاموس عوز من الجانب الإسرائيلي. وبدأت الطواقم بالعمل حتى وجبة الغذاء. وظهرت نقاط خلاف منذ البداية، غير أن الحاضرين شعروا بأنه يمكن التغلب عليها.
واجتمع الإسرائيليون للاطلاع على التقدم في عمل الطواقم ثم عادوا بعد ذلك إلى المحادثات. وانضمت نحاما رونين برفقة شلومو بروم لطاقم الخرائط.
وارتبطت إحدى نقاط الخلاف المعقدة بالتجمعات السكنية في منطقة القدس، وفي مقدمتها "غفعات زئيف" وبيت صفافا وجبل أبو غنيم. فقد طلب الفلسطينيون إخلاء هذه التجمعات سوية مع بقية المستوطنات، الأمر الذي رفضه الجانب الإسرائيلي. وتبادلت نحاما رونين، قبيل وجبة العشاء، الحديث مع حوراني في الممر وقالت له: "لن يوافق الإسرائيليون على التنازل عن غفعات زئيف"، وهز حوراني رأسه موافقـًا.
وفي الساعة السابعة مساء، التقى متسناع وبيلين بقسيس وعبد ربه ولخصوا التقدم الذي حصل حتى تلك اللحظة، واتفقوا على توزيع المشاركين إلى مجموعات صغيرة بعد وجبة العشاء. وأصبح متسناع، عمليـًا، رئيسـًا لطاقم الخرائط، بينما ترأس يوسي بيلين طاقم الصياغة. وبقي موضوع التجمعات السكنية في منطقة القدس مفتوحـًا، وقرر الطاقم الإسرائيلي عدم التنازل في هذه المسألة. وكان الحسم الإسرائيلي استراتيجيـًا للحفاظ على "غفعات زئيف" كجزء من حزام التوطين حول مدينة القدس.
وفي الساعة العاشرة والنصف اجتمع الإسرائيليون والفلسطينيون ثانية لبحث المعضلات المحيطة بمدينة القدس. وقال أحد المشاركين الفلسطينيين: "إن هذه التجمعات تخنق كل توسع طبيعي لرام الله ولمدينة القدس أيضـًا. إنها عالقة في الوسط".
وتواصل النقاش حتى الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل دون أن يتم التوصل إلى حل، وازداد إرتفاع الأصوات الناشزة، ووصلت إلى حد تبادل الصراخ بين بورغ وعبد ربه، في ساعة متأخرة من الليل. وطلب عبد ربه من الإسرائيليين تقديم تنازلات أخرى. وقال بورغ: "ليس بإمكاني التنازل أكثر مما فعلت. لقد ضحيت بالماضي لصالح المستقبل". وعندما سمع أن الفلسطينيين يريدون فتح موضوع حق العودة مجددًا قال: "لن أقبل اتفاقـًا يتضمن حق العودة".
وتفرقت الطواقم دون التوصل إلى اتفاق. وقال أحد المشاركين إن الشعور الذي ساد خلال اللقاء هو أن المتحاورين جربوا كل الطرق القديمة.
هرع الدبلوماسي المخضرم، الموظف السابق في وزارة الخارجية، دافيد كيمحي، في صباح هذا اليوم الذي ساد فيه شعور صعب، إلى تشجيع المتفاوضين على التقدم. وقال كيمحي للمشاركين: "لقد حقق الجانبان تقدمـًا كبيرًا، لقد وصلنا إلى المرحلة النهائية، ما زالت هناك بعض المشاكل يجب التوصل إلى حل بشأنها. لقد قدم كل طرف تنازلات معينة، تنازلات مؤلمة وحساسة من منطلق إدراك أهمية التوصل إلى حل. إننا نجتاز المئة متر الأخيرة وهي الأكثر صعوبة في كل مفاوضات".
وتنازل الفلسطينيون عن طرح موضوع حق العودة مجددًا، لكن على الرغم من شعور الجانب الإسرائيلي بالارتياح إلا أن الأطراف واصلت تمسكها بمواقفها في مجالات أخرى، مثل مصير "غفعات زئيف". وعلت الأصوات ثانية. ووصف أحد المشاركين الأجواء بأنها بغيضة، وبدأ الحديث عن تفجير محتمل للمحادثات. إلا أن السويسريين تدخلوا في ساعات الظهر، إذ انضم سفير سويسرا في إسرائيل وشخصان آخران واكبا المحادثات منذ سنة، واقترحوا "تليين" الصياغة. وفي مرحلة معينة، بدأ السويسريون يتنقلون بين غرفتي الطواقم الإسرائيلية والفلسطينية.
وأبدى الطرفان ليونة، في ظل الضغوط الأوروبية، وفي حوالي الساعة الثانية والنصف، وصل إلى الفندق وزير الخارجية الأردني، مروان المعشر، الذي شغل في السابق منصب سفير الأردن لدى إسرائيل ويعرف الحاضرين. لقد حضر لتشجيعهم على المضي قدماً، وقال: "أنا أومن بمقدرتكم على التوصل إلى اتفاق. إنه اتفاق يهم جميع الدول العربية، وأطلب منكم ألا تتوقفوا الآن". وأجابه بيلين: "آمل أن نمتلك الشجاعة المطلوبة للتغلب على الفجوات الموجودة بعد أن قطعنا شوطـًا طويلاً واتفقنا على الأمور الجوهرية". وأعرب حوراني عن موافقته، قائلا: "قد يكون هذا الاتفاق بمثابة نقطة تحول". وغادر زير الخارجية الأردني الفندق ليسود الشعور بأنه تم إنقاذ المحادثات. لكن التقدم ما زال صعباً، خاصة في طاقم الخرائط. وفي الساعة الثامنة، تناول المشاركون وجبة العشاء، ويدور حديث بين الإسرائيليين حول احتمال عودتهم إلى إسرائيل دون التوصل إلى اتفاق.
بعد وجبة العشاء، عقد طاقم الخرائط جلسة مناقشات مراثونية، بينما جلس الآخرون في دهليز الفندق وتبادلوا أطراف الحديث الروتيني. وكان حوراني، الذي ينتمي إلى حركة فتح متفائلا: "لا تقلقوا، في النهاية سنوقع"، قال، في محاولة منه لطمأنة الإسرائيليين. وحدثهم عن أبناء عائلته في الضفة الغربية.
وعند منتصف الليل، بدا أن المفاوضات تقترب من نهايتها، إذا تنازل الفلسطينيون في قضية "غفعات زئيف" وتنازل الإسرائيليون عن بيت صفافا وجبل أبو غنيم، وبقيت نقاط خلافية أخيرة، غير أن الخوف من لحظة التوقيع دفع الأطراف إلى تأجيل النهاية. وأخيرًا قدم الجانب الإسرائيلي، خلال الليل، اقتراحـًا نهائيـًا حول الخرائط، بينما ذهب الوفد الفلسطيني لإجراء محادثات داخلية، وفي تمام الساعة الثالثة والنصف قبل طلوع الفجر أعلن الفلسطينيون: "لا نقبل الاقتراح". وانتهى الاجتماع في الساعة الرابعة والنصف قبل الفجر دون التوصل إلى اتفاق وبشعور صعب.
إجتمع طاقم الخرائط الساعة التاسعة صباحًا لآخر مرة، وأجواء من التشاؤم تخيم على الطاقم الإسرائيلي. أحد الحاضرين وصف ذلك بقوله: "ساد شعور بأن الأمر لن ينتهي". وأوضح الإسرائيليون للفلسطينيين، في النهاية، أنهم لا يعتزمون المماطلة لمزيد من الوقت وأنهم سيعودون إلى إسرائيل في الظهيرة.
ونجح "تكتيك الحقائب" القديم، وتم، خلال ساعتين، تلخيص حميع النقاط المتبقية. وعكف أريئيل وجمعة على رسم الخرائط النهائية كما اتفق. وتم التوصل إلى اتفاق. وهدأ كل شيء في آن واحد. وظهرت الابتسامات على وجوه الجميع، وتناولوا القهوة، ثم استعدوا لحفل التوقيع في ساعات الظهر. وكانت تلك بمثابة لحظة تاريخية، حسب وصف أحد الحضور.
وجلس متسناع وبيلين وعبد ربه وحوراني وقسيس وعبد الرازق ورونين وأورون وبورغ وعاموس عوز حول الطاولة، وطلب جميعهم إلقاء كلمات. وقال حوارني للحاضرين: "اليوم يختلف عن أمس. ما حدث حتى اليوم لن يكون شبيهـًا بما سيحدث بعد اليوم".
وقال بورغ: "في هذه اللحظة، أشعر بفخر كبير لأنني أعرف يوسي بيلين. منذ اليوم، أدين له بمستقبل دولتي وشعبي. إني أقدر استعداده للوقوف دائمـًا أمام الذين لا يؤمنون".
وحاول الأديب عاموس عوز، تهدئة الحاضرين وحذر: "المعركة ستبدأ عمليـًا اليوم". وقالت نحاما رونين التي أشاد الجميع بحضورها كممثلة وحيدة عن حزب "الليكود": "لقد تم إنجاز أمرًا عظيمـًا هنا، وعلى الرغم من أنني قد أدفع الثمن بمستقبلي السياسي، غير أنني راضية عن نفسي. إنني أومن بأن هذا الأمر هو الصحيح. إن مؤيدي الليكود، أيضـًا، يريدون السلام ويعرفون أنهم سيضطرون لدفع الثمن مقابل هذا السلام".
وقال عبد ربه: "هذه لحظة مهمة لنا جميعـًا".
وقال متسناع: " أدعو الجميع إلى النهوض في الصباح وتجنيد ما تحلينا به من شجاعة قادتنا إلى هنا، لاستثمارها في دفع الاتفاق قدمـًا".
في النهاية تم التقاط صورة جماعية للمشاركين. وأصبحت "اتفاقية سويسرا"، أو "وثيقة جنيف"، حقيقة – لكنها لا تزال، حاليـًا، على الورق فقط
الشخصيات الفلسطينية التي لها صلة بهذه الاتفاقية :
1- ياسر عبد ربه
نبيل قسيس 2-
مندوبون من مؤيدي أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية، مروان البرغوثي 3-
وزير شؤون الأسرى في السلطة الفلسطينية، هشام عبد الرازق 4-
الشخصيات الإسرائيلية التي لها صلة بهذه الاتفاقية :
الرئيس الأسبق لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، أمنون ليبكين شاحاك 1-
الرئيس السابق لحزب "العمل" الإسرائيلي، عضو الكنيست، عمرام متسناع 2-
عضو الكنيست، أفراهام بورغ 3-
عضوة الكنيست، يولي تمير (حزب العمل 4-
5- عضوة الكنيست، إيتي ليفني (حزب شينوي
6- عضو الكنيست، إيلان ليبوفيتش (حزب شينوي عضوة الكنيست سابقـًا، نحاما رونين 7-
البروفيسور مناحين كلاين 8-
اللواء (إحتياط) غدعون شيفر 9-
10- العميد (إحتياط) غيورا عنبار
11- الدكتور رون بونداك
|